هل القيوم يعني القائم بذاته؟ هل يأتي من قائم التي تعني موجود؟ إذا لم يكن كذلك ، فهل هناك أيّ اسم للّه يعني موجود؟ هل مَوْجُود كلمة أردية ، فارسية أم عربية؟ إذا كانت كلمة عربية فلماذا لم يرد ذكرها في القرآن الكريم بل وَجَدَ مذكورة في القرآن والتي تعني \"وجد\" ولكن لم يرد ذكر مَوْجُود؟
الحمد لله.
أولًا:
ورد اسم الله (القيوم) في آيات من القرآن الكريم، منها قوله سبحانه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥) [البقرة: 255]، وقال سبحانه: الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 1-2]، وقال سبحانه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه: 111].
فقد جمع الله في هذه الآيات بين اسمين من أسمائه سبحانه وبحمده، وهما (الحي القيوم)، "وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال، فالحي هو كامل الحياة، وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية للَّه: كالعلم، والعزّة، والقدرة، والإرادة، والعظمة، والكبرياء، وغيرها من صفات الذات المقدسة.
والقيّوم هو كامل القيّوميّة وله معنيان:
المعنى الأول: هو الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته.
المعنى الثاني: هو الذي قامت به الأرض والسموات وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها، وأمدَّها، وأعدَّها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها.
فهو الغنيّ عنها من كل وجه وهي التي افتقرت إليه من كل وجه، فالحيُّ والقيُّوم من له صفة كل كمال وهو الفَعَّالُ لما يريد"، انتهى.
"شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة": (159).
واسم الله (القيوم) فيه معنى وجود الله كذلك، بل كل أسمائه تعالى فيها هذا المعنى، يقول "الواحدي": "وقوله تعالى الْقَيُّومُ القَيُّومُ في اللغة: مبالغةٌ من القَائم، وزنه فَيْعُول، وأصله: قَيْوُوُم، فلما اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن جُعِلَتا ياءً مشددة، ولا يجوز أن يكون على (فَعُّول)، لأنه لو كان كذلك لكان قوومًا.
وفيه ثلاث لغات: قَيوم وقَيّام وقَيِّم.
... فأما معناه: فقال مجاهد: القيوم: القائم على كل شيء، وتأويله: أنه قائم بتدبير أمر الخلق، في إنشائهم وأرزاقهم، وقال الضحاك: القيوم: الدائم الوجود.
أبو عبيدة: هو الذي لا يزول. لاستقامة وصْفِهِ بالوجود، حيث لا يجوز عليه التغيير بوجه من الوجوه.
وقيل: هو بمعنى العالم بالأمور، من قولهم: فلان يقوم بهذا الكتاب، أي: هو عالم به"، انتهى.
"التفسير البسيط" (4/ 347 - 348).
وقال "الطيبي": "(القيوم) .. معناه القائم بنفسه المقيم لغيره، وهو علي الإطلاق والعموم لا يصح إلا لله تعالي، فإن قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما علي غيره، وقوام كل شيء به؛ إذ لا يتصور للأشياء وجود ودوام إلا بوجوده"، انتهى.
"شرح المشكاة" للطيبي: (6/ 1803).
وممن نص على إفادة اسم الله (القيوم) لمعنى الوجود: "ابن أبي العز الحنفي" يقول رحمه الله: "وَمِنْهُ: أَنَّهُ قَيُّومٌ لَا يَنَامُ، إِذْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِعَدَمِ النَّوْمِ وَالسِّنَةِ، دُونَ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُمْ يَنَامُونَ. وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نَفْيَ التَّشْبِيهِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيَ الصِّفَاتِ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ، بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، لِكَمَالِ ذَاتِهِ.
فَالْحَيُّ بِحَيَاةٍ بَاقِيَةٍ لَا يُشْبِهُ الْحَيَّ بِحَيَاةٍ زَائِلَةٍ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعًا وَلَهْوًا وَلَعِبًا، وَإنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ، فَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَالْمَنَامِ، وَالْحَيَاةُ الْآخِرَةُ كَالْيَقَظَةِ.
وَلَا يُقَالُ: فَهَذِهِ الْحَيَاةُ الْآخِرَةُ كَامِلَةٌ، وَهِيَ لِلْمَخْلُوقِ: لِأَنَّا نَقُولُ: الْحَيُّ الَّذِي الْحَيَاةُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهَا، هُوَ الَّذِي وَهَبَ الْمَخْلُوقَ تِلْكَ الْحَيَاةَ الدَّائِمَةَ، فَهِيَ دَائِمَةٌ بِإِدَامَةِ اللَّهِ لَهَا، لَا أَنَّ الدَّوَامَ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهَا لِذَاتِهَا، بِخِلَافِ حَيَاةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ سَائِرُ صِفَاتِهِ، فَصِفَاتُ الْخَالِقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَصِفَاتُ الْمَخْلُوقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، أَعْنِي: الْحَيَّ الْقَيُّومَ مَذْكُورَانِ فِي الْقُرْآنِ مَعًا فِي ثَلَاثِ سُوَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُمَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُمَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، فَإِنَّهُمَا يَتَضَمَّنَانِ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَكْمَلَ تَضَمُّنٍ وَأَصْدَقَهُ، وَيَدُلُّ الْقَيُّومُ عَلَى مَعْنَى الْأَزَلِيَّةِ وَالْأَبَدِيَّةِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْقَدِيمِ.
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى كَوْنِهِ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ.
وَالْقَيُّومُ أَبْلَغُ مِنَ الْقَيَّامِ لِأَنَّ الْوَاوَ أَقْوَى مِنَ الْأَلِفِ، وَيُفِيدُ قِيَامَهُ بِنَفْسِهِ، بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ اللُّغَةِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ. وَهَلْ يُفِيدُ إِقَامَتَهُ لِغَيْرِهِ وَقِيَامَهُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ. وَهُوَ يُفِيدُ دَوَامَ قِيَامِهِ وَكَمَالَ قِيَامِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَزُولُ لَا يَأْفُلُ، فَإِنَّ الْآفِلَ قَدْ زَالَ قَطْعًا، أَيْ: لَا يَغِيبُ وَلَا يَنْقُصُ وَلَا يَفْنَى وَلَا يَعْدَمُ، بَلْ هُوَ الدَّائِمُ الْبَاقِي الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ. وَاقْتِرَانُهُ بِالْحَيِّ يَسْتَلْزِمُ سَائِرَ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا وَدَوَامِهَا، وَانْتِفَاءِ النَّقْصِ وَالْعَدَمِ عَنْهَا أَزَلًا وَأَبَدًا. وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255] (الْبَقَرَةِ: 255) . أَعْظَمَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، انتهى.
"شرح الطحاوية" (1/ 90 - 91).
ثانيًا:
سبق في عدة أجوبة أنه يجوز وصف الله تعالى بأنه (موجود)، وأن وجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، فيخبر به عنه ويوصف به، ولكنه ليس اسمًا من أسمائه الحسنى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وهو سبحانه قديم واجب الوجود، رب كل شيء ومليكه، هو الخالق وما سواه مخلوق" انتهى .
"بيان تلبيس الجهمية" (1/304).
وقال أيضًا: "فإن الله موجود حقيقةً، والعبد موجود حقيقةً، وليس هذا مثل هذا" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (5/198).
راجع الأجوبة رقم: (198069)، (121180)، (347583).
وهو لفظ ومعنى عربي، كما يعلم ذلك من كتب اللغة، وإن لم يكن إطلاق عبارة "الله موجود" من كلام العرب القديم، ولا من معروف شعرهم ولا نثرهم؛ لكنها دائرة على ألسنة أهل العلم.
وتطلق في حق الله بمعنيين: إثباته، سبحانه، ونفي عدمه، أزلا، وأبدا.
وإثبات العلم به أيضا، فمن طلبه، وجده، وعرفه، سبحانه.
قال الزمخشري: " ووجدت زيداً ذا الحفاظ : علمته .قال :
إنَّ الكَريمَ وأبيكَ يَعْتَملْ * إنْ لمْ يجدْ يوماً على منْ يَتَّكلْ
إن لم يعلم على من يتّكل. (ووجدك عائلاً فأغنى)". انتهى، من "أساس البلاغة" (666).
والله أعلم.