الحمد لله.
الأصل أن يكون تداوي المرأة على يد طبيبة، لما يقتضيه ذلك من نظر وفحص، إلا إذا كان الرجل أحذق وأمهر.
جاء في مجمع الفقه الإسلامي: "الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم. على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة " انتهى من "مجلة المجمع" (ع 8، ج1 ص 49).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم ذهاب المرأة إلى طبيب يعالجها مع وجود طبيبة في نفس الاختصاص؟
فأجاب : "إذا كان الاختصاص واحداً، والحذق [المهارة] متساوياً بين الرجل والمرأة، فإن المرأة لا تذهب إلى الرجل، لأنه لا داعي لذلك ولا حاجة.
أما إذا كان الرجل أحذق من المرأة، أو كان اختصاصه أعمق: فلا حرج عليها أن تذهب إليه. وإن كان هناك امرأة ؛ لأن هذه حاجة، والحاجة تبيح مثل هذا" انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 693).
وفي عمليات الولادة القيصرية يفضل الرجل غالبا.
ولا شك أن ما يفعله هؤلاء النسوة فيه تساهل؛ إذ يمكن الكشف عند طبيبة النساء، ثم إن احتاجت إلى عملية، وكان الطبيب أحذق ذهبت إليه، ثم ذهابهن إلى رجل يعرفهن أمر مستهجن منهن ومن أزواجهن.
والحديث المشار إليه في السؤال هو ما رواه عقبة بن عامر، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخولَ على النساء).
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟
قال: ( الحمو: الموت) رواه البخاري (4934)، ومسلم (2172).
قال النووي :
"اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل، والأصهار يقع على النوعين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه : أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من أجنبي لما ذكرناه، فهذا الذى ذكرته هو صواب معنى الحديث" انتهى، من "شرح مسلم" (14/154).
وأما أن تطبيب زوجك لهن: مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الحمو: الموت !!)؛ فليس ذلك بظاهر لنا؛ فإن هذه المخالفة إنما تظهر لو قدر أنهن تساهلن مع زوجك أكثر مما يتساهلن مع الأجنبي؛ وبدل أن يذهبن مع محرم، أو امرأة مأمونة تمنع الخلوة بها، يذهبن بمفردهن، وتحصل الخلوة مع زوجك – الطبيب – اعتمادا على أنه من "أحمائها"، فيؤمن جانبه.
وهنا يكون "الموت".
أما إذا كن يذهبن مع محرم، أو مع نسوة ثقات، ولا تحصل الخلوة بهن؛ فليس بظاهر لنا أن يكون ذلك من مخالفة الحديث الشريف، بل شأنه شأن غيره من الأطباء الأجانب.
وينظر جواب السؤال رقم: (12837).
نعم؛ يمكن لزوجك أن يحتاط لأمر دينه، ودين هؤلاء النسوة، فيشترط وجود أخيه مع زوجته عند الكشف عليها، وهذا غاية ما يمكنه أن يشترطه، أو يحترز به، فيما يظهر لنا.
وإنما الذي ينبغي أن يمتنع فهن زوجات إخوته، من قبل أنفسهن، فيمنعهن الحياء عن التكشف على من يعرفهن، ويلابس أحوالهن.
فإذا لم يمتنعن من قبل أنفسهن، فنحن نقدر موقفه في صعوبة منعهن بالكلية من الذهاب إلى عيادته، أسوة بباقي النساء.
والوصية لك أن تبيني لزوجك ذلك، وأنه متى أمكنه أن يمتنع عن الكشف عليهن، وأن يعتذر بأن قربه منهن ومعرفته بهن لا يليق معها هذا الكشف، فهو أحوط له، وأبرأ لذمته.
وإلا؛ فلا نرى لك الإلحاح عليه في ذلك الأمر، ودعي هذا الأمر؛ فأنت تعلمين أنه "طبيب نساء"، وليس طبيب "رجال"؛ ومتى لم يكشف على هؤلاء، كشف على غيرهن، وهذا مما عمت به البلوى في مجال الطب.
وينظر: جواب السؤال رقم: (69859).
والله أعلم.