الحمد لله.
هذا السؤال – وأمثاله – فيه مغالطة كبيرة ، ويحاول كثير من الملحدين أن يستعمله في حواراته مع المسلمين ، وهم يريدون الإلزام للمجيب فإن قال : لا يستطيع . قالوا : كيف يكون إلها وهو عاجز عن الخلق ؟! وإن قال : يستطيع . قالوا : كيف يكون إلهاً وهو عاجز عن الحمل والرفع لهذه الصخرة ؟!
والجواب :
أن هذا السؤال غير صحيح في الأصل ، فقدرة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات ؛ فكيف يكون إلهاً وهو عاجز عن رفع " صخرتهم " ومن صفات الله تعالى القدرة ؟! وهل سيوجد في صفات المخلوقات ما هو أعظم من صفات خالقها ؟!
وقد أجاب الأستاذ سعد رستم عن هذا السؤال بجواب علمي رصين ننقله بنصه ، إذ قال :
قدرة الله - التي هي بلا شك مطلقة وغير محدودة - إنما تتعلق بالممكنات العقلية لا بالمستحيلات العقلية ، فالقدرة مهما كانت مطلقة ولا حدود لها تبقى في دائرة ممكنات الوجود ، ولا تتعلق بالمستحيلات ، وليس هذا بتحديد لها ، ولتوضيح هذه النقطة نضرب بعض الأمثلة :
نسأل جميع هؤلاء الأساقفة واللاهوتيين : هل يستطيع الله تعالى أن يخلق إلـهاً آخر مثله ؟ إن قالوا : نعم . قلنا لهم : هذا المخلوق كيف يكون إلـهاً وهو مخلوق ؟ وكيف يكون مثل الله مع أنه حادث في حين أن الله أزلي قديم ؟ في الحقيقة إن عبارة " خلق إله " سفسطة وتناقض عقلي لأن الشيء بمجرد أن يُخلَق فهو ليس بإله ، فسؤالنا هذا بمثابة سؤالنا هل يستطيع الله تعالى أن يخلق " إلـها غير إله " ؟! وبديهي أن الجواب لا بد أن يكون : إن قدرة الله لا تتعلق بذلك ؛ لأن كون الشيء إلـهاً وغير إله تناقض عقلي مستحيل الوجود ، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات .
مثال آخر : نسألهم أيضاً : هل يستطيع الله تعالى أن يخرِج أحداً حقيقة من تحت سلطانه ؟
إن أجابوا بالإيجاب حددوا نفوذ الله تعالى وسلطانه ، وإن أجابوا بالنفي - وهو الصحيح - وافقونا بأن قدرة الله المطلقة لا تتعلق بالمستحيلات ؛ لأنه مستحيل عقلاً أن يخرج أي مخلوق من سلطان ونفوذ خالقه وموجِده .
مثال ثالث : سألني مرة أحد الملحدين فقال : " هل يستطيع ربكم أن يخلق صخرة هائلة تكون من الضخامة بحيث يعجز هو نفسه عن تحريكها " ؟ وأضاف متهكِّماً : " إن قلت لي نعم يستطيع : فقد أثبت لربك العجز عن تحريك صخرة ، وهذا دليل على أنه ليس بإلهٍ ، وإن قلت لي : كلا ، لا يستطيع ، اعترفت بأنه لا يقدر على كل شيء ، و بالتالي فهو ليس بإلهٍ " ! .
فأجبت هذا الملحد بكل بساطة : نعم ، لا يدخل ضمن قدرة الله أن يخلق صخرة يعجز عن تحريكها ؛ لأن كل ما يخلقه الله يقدر على تحريكه ، ولكن عدم إمكان تعلق قدرة الله تعالى بخلق مثل هذه الصخرة المفترضة ليس دليلا على عجزه بل - على العكس تماماً - هو دليل على كمال قدرته ! لأن سؤالك هذا بمثابة من يسأل : هل يستطيع الله تعالى أن يكون عاجزاً عن شيء ممكن عقلا ؟ وبديهي أن الإجابة بالنفي لا تفيد تحديد قدرة الله بل تفيد تأكيد كمال قدرته تعالى وتمامها ؛ لأن عدم العجز عين القدرة وليس عجزاً ، تماماً كما أنه لو قلنا إن الله لا يمكن أن يجهل أو ينسى شيئاً ، لا يكون في قولنا هذا إثباتٌ لعجز فيه تعالى أو نقص ، بل يكون تأكيداً على كماله تعالى وكلية قدرته وعلمه .
" الأناجيل الأربعة ورسائل بولس ويوحنا تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن "
للأستاذ " سعد رستم "
والله أعلم .