ما صحة الحديث التالي: قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(انّ لله تعالى ملكاً ينزل في كلّ ليلة وينادي: يا أبناء العشرين جدّوا واجتهدوا. ويا أبناء الثلاثين لا تغرنّكم الحياة الدنيا. ويا أبناء الأربعين ماذا أعددتم للقاء ربّكم. ويا أبناء الخمسين أتاكم النذير. ويا أبناء الستين زرع آن حصاده. ويا أبناء السبعين نودي بكم فأجيبوا. ويا أبناء الثمانين أتتكم الساعة وأنتم غافلون. ثم يقول: لولا عباد ركّع، ورجال خشّع، وصبيان رضّع، وأنعام رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّاً)؟
الحمد لله.
هذا الخبر مركب من حديثين ضعيفين:
الأول:
ما رواه الديلمي كما في "زهر الفردوس" (6/ 109-110)، قال: أخبرنا أبو ثابت الصوفي، حدثنا جعفر بن محمد الأبهري، حدثنا أبو سهل عبيد الله بن محمد بن زِيرك، حدثنا القاسم بن محمد السراج إملاء، حدثنا الحسين بن علي بن الحسن القاضي، حدثنا محمد بن جعفر الفسوي، حدثنا عمار بن الحسن، حدثنا إبراهيم بن هدبة، عن أنس رفعه:
مَا من لَيْلَة إِلَّا ومناد يُنَادي من بَطْنَان الْعَرْش: يَا بني آدم إِن الله تَعَالَى يقرئكم السَّلَام وَيَقُول: شوّقناكم فَلم تشتاقوا، وخوّفناكم فَلم تخافوا، ونحنا لكم فَلم تبكوا، بالليل تنامون، وبالنهار تغفلون، الْمنزل الطَّوِيل مَتى تقطعون، يَا أَبنَاء الْعشْرين جدوا واجتهدوا، يَا أَبنَاء الثَّلَاثِينَ لَا عذر لكم، يَا أَبنَاء الْأَرْبَعين وَالْخمسين زرع قد دنا حَصَاده، يَا أَبنَاء السِّتين وَالسبْعين مهلا عَن الله مهلا.
وفي إسناده إبراهيم بن هدبة، وهو متروك الحديث، متهم بالكذب.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: " إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة، الفارسي، بصري.
يروي عن أنس، قال أحمد بن حنبل: إبراهيم بن هدبة لا شيء، روى أحاديث مناكير.
وقال يحيى: كذاب خبيث.
وكذبه علي، وأبو حاتم الرازي.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي، والدارقطني: هو متروك.
وقال ابن عدي: حدّث بالبواطيل.
وقال ابن حبان: دجال من الدجالين، لا يحل لمسلم أن يكتب حديثه ولا يذكره إلا على جهة التعجب" انتهى من "الضعفاء والمتروكون" (1/58).
ولهذا أدخله السيوطي رحمه الله تعالى، في كتابه "الزيادة على الموضوعات" (2/695).
وقد رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/33)، (8/158) عن وهب بن منبه أنه وجده في بعض كتب بني اسرائيل، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الشطر الثاني:
فرواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/327) وغيره: عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن سَعْدٍ الْمُؤَذِّن، عَنْ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدَةَ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا عَبَّادٌ لِلَّهِ رُكَّعٌ، وَصِبْيَةٌ رُضَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا، ثُمَّ رُضَّ رَضًّا.
ثم قال الطبراني عقبه: " لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الدِّيلِيِّ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ " انتهى.
ففيه مَالِك بْن عُبَيْدَةَ الدِّيلِيّ، وهو مجهول.
روى ابن أبي حاتم عن:
" عثمان ابن سعيد الدارمي قال: قلت ليحيى بن معين: مالك بن عبيدة الديلى، تعرفه؛ عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: لولا رجال خشع؟ فقال: ما أعرفه.
قال أبو محمد –ابن أبي حاتم-: يعنى أنه مجهول " انتهى من"الجرح والتعديل" (8/213).
وقال الهيثمي رحمه الله تعالى:
"وفيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار، وهو ضعيف" انتهى من"مجمع الزوائد" (10/227).
ورواه الطبراني أيضا في "المعجم الأوسط" (7/134)، وغيره: عن إِبْرَاهِيم بْن خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا عَنِ اللَّهِ مَهْلًا، لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ، وشُيُوخٌ رُكَّعٌ، وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ، وبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا، ثُمَّ لَرُضَّ رَضًّا .
ثم قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خُثَيْمٍ إِلَّا ابْنُهُ... وَلَا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ " انتهى.
إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمِ، قد ضعّفوه.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
"وفي إسناده إبراهيم بن خثيم بن عراك بن مالك وهو ضعيف، قال يحيى: لا يكتب حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو زرعة: عنده أحاديث منكرة. وقال الجوزجاني: كان غير مقنع، اختلط بأخرة. وقال أبو الفتح الأزدي: كذاب لا يكتب حديثه" انتهى من"البدر المنير" (5/ 158).
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/100)، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَينَادِي مُنَادٍ: مَهْلًا أَيُّهَا النَّاسُ مَهْلًا، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَطَوَاتٌ وَبَسَطَاتٌ وَلَكُمْ قُرُوحٌ دَامِيَاتٌ، وَلَوْلَا رِجَالٌ خُشَّعٌ وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَدَوَابُّ رُتَّعٌ؛ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبًّا، ثُمَّ رُضِضْتُمْ بِهِ رَضًّا.
وهذا خبر مرسل.
وفي إسناده شيخ أبي نعيم، وهو إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وهو ابن أبي العزائم، مجهول الحال لم نقف على من وثقه.
فالحاصل؛ أن هذا الخبر بشطريه: ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.