الحمد لله.
العاقل إنما يسعى في أيام عمره، ويجهد نفسه في أعمالها، ليحصل ما يمكنه من المصالح، التامة، أو الغالبة، ويدفع عن نفسه ودينه المفاسد، التامة، أو الغالبة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وليعلم العاقل أنّ العقل والشرع يوجبان تحصيل المصالح وتكميلها وإعدام المفاسد وتقليلها. فإذا عرض للعاقل أمر يرى فيه مصلحةً ومفسدة وجب عليه أمران: أمر علمى، وأمر عملي. فالعلميّ طلبُ معرفة الراجح من طرفَي المصلحة والمفسدة، فإذا تبيّن له الرجحان وجب عليه إيثار الأصلح له " انتهى من "الداء والدواء" (ص 491).
وكتابة مثل هذه المذكرات هي من الأمور العادية التي الأصل فيها الإباحة، وليست من أمور التعبد التي تحتاج إلى دليل.
وبناء على هذا؛ فإنه ينظر في المقصد من هذه الكتابات؛ فالمقاصد لها أثر في أي عمل أو تصرف.
لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
فإن كانت هذه الكتابات يقوم بها العبد لمحاسبة نفسه وتقويمها؛ ليرى مدى تحسن حاله بمرور الأيام فيستمر على ذلك المنوال، أو يرى فساد حاله فيراجع نفسه ويحاسبها.
فإن كان هذا المقصود فلا شك أنه أمر نافع محمود.
وأما إن كان يعتني بهذه الكتابات لمجرد الذكرى، فإن كاتبه، إن كان ولا بد فاعلا، فلا ينبغي أن يكون إلا في وقت راحة، وإجمام النفس عن مشاغلها، وإراحتها من عناء الجد، وتعب الأشغال؛ إن كان حقا : جادا في أمره، حارثا هماما، لا يفتؤ عن الاشتغال بعلم نافع، أو عمل صالح ، في دينه ودنياه.
وأما أن يكون هذا هو شغله، وينتقل من راحة إلى لهو، كما هو شأن كثير من البطالين، والفارغين؛ فلا شك أن هذا مغبون وقته، مغبون عمره الذي هو رأس ماله.
عَنِ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ) رواه البخاري (6421).
قال ابن القيم، رحمه الله:
" هلم إلى الدخول على الله، ومجاورته في دار السلام، بلا نصب ولا تعب ولا عناء، بل من أقرب الطرق وأسهلها؛ وذلك أنك في وقت بين وقتين، وهو في الحقيقة عمرك: وهو وقتك الحاضر، بين ما مضى، وما يستقبل؛ فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عملٍ شاق، إنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة، ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمه، تريح بدنك وقلبك وسرك …
ولكن الشأن في عمرك، وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته، مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكرت، نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم!
وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها، وأنفع لها، وأعظم تحصيلا لسعادتها، وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت!" الفوائد (١١٧).
والله أعلم.