الحمد لله.
اختلف العلماء في طبيعة العجل الذي عبده بنو إسرائيل، فذهب بعضهم إلى:
1- أن العجل كان عجلًا حقيقيًّا، وعليه: فالإحراق إحراق حقيقي، والنسف لرماده.
2- وذهب بعضهم إلى أنه لم يكن عجلا حقيقيًّا، وعليه، فالإحراق هنا: هو البرد بالمبرد مباشرة، ثم نسفه. أو هو بمعنى الإذابة، ويكون النسف مستعارًا لتفريقه بعد الإذابة.
"تفسير الطبري" (16/ 156)، "تفسير الثعلبي" (18/ 54)،
قال "ابن عطية": "وقرأت فرقة لنحرقنه بتخفيف الراء، بمعنى: بالنار.
وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس: لنَحرُقنه، بضم الراء وفتح النون بمعنى: لنبرُدنه بالمبرد.
وقرأ نافع وغيره لنُحرِّقنه بضم النون وكسر الراء وشدها، وهذا تضعيف مبالغة لا تعدية، وهي قراءة تحتمل الحرق بالنار، وتحتمل بالمبرد.
وفي مصحف أبي وعبد الله بن مسعود لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه، وهذه القراءة مع رواية من روى أن العجل صار لحمًا ودمًا، وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرق بنار.
وإلا فإذا كان جمادًا من ذهب، فإنما هو حرق بمبرد، اللهم إلا أن تكون إذابة، ويكون النسف مستعارًا لتفريقه في اليم مذابًا"، انتهى من "تفسير ابن عطية" (4/ 62).
قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا؛ أي: العجل لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا.
ففعل موسى ذلك، فلو كان إلها، لامتنع ممن يريده بأذى ويسعى له بالإتلاف.
وكان قد أُشرب العجل في قلوب بني إسرائيل، فأراد موسى عليه السلام إتلافه وهم ينظرون، على وجه لا تمكن إعادته، بالإحراق والسحق، وذَريْه في اليم، ونسفه؛ ليزول ما في قلوبهم من حبه، كما زال شخصه، ولأن في إبقائه محنة، لأن في النفوس أقوى داع إلى الباطل.
فلما تبين لهم بطلانه، أخبرهم بمن يستحق العبادة وحده لا شريك له، فقال: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا؛ أي: لا معبود إلا وجهه الكريم، فلا يؤله، ولا يحب، ولا يُرجى ولا يُخاف، ولا يدعى إلا هو، لأنه الكامل الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، المحيط علمه بجميع الأشياء، الذي ما من نعمة بالعباد إلا منه، ولا يدفع السوء إلا هو، فلا إله إلا هو، ولا معبود سواه.". انتهى، من "تفسير السعدي" (512).
والله أعلم.