الحمد لله.
أولًا:
يقول الله تعالى: (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)الأنبياء/19-20، ويقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) فصلت/ 37-38.
في هذه الآيات الكريمة بيان العبادة الدائمة للملائكة الكرام، وأنهم لا يستكبرون عن ذلك، بل يسبحون لله، ويصلون ليلًا ونهارًا، ولا يفترون عن عبادتهم، ولا يملون الصلاة له.
انظر: "تفسير الطبري" (20/437).
ثانيًا:
قال ابن تيمية: "الليل والنهار الذي هو حاصل بالشمس هو تبع للسموات والأرض؛ لم يخلق هذا الليل وهذا النهار قبل هذه السموات والأرض؛ بل خلق هذا الليل وهذا النهار تبعًا لهذه السموات والأرض؛ فإن الله إذا أطلع الشمس حصل النهار وإذا غابت حصل الليل؛ فالنهار بظهورها والليل بغروبها فكيف يكون هذا الليل وهذا النهار قبل الشمس والشمس والقمر مخلوقان مع السموات والأرض.
وقد قال تعالى: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون، وقال تعالى: لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون.
قال ابن عباس وغيره من السلف في فَلَكَةٍ مثلِ فلَكة المِغزل.
فقد أخبر تعالى أن الليل والنهار والشمس والقمر: في الفلك و " الفلك " هو السموات عند أكثر العلماء؛ بدليل أن الله ذكر في هاتين الآيتين أن الشمس والقمر في الفلك، وقال في موضع آخر: ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا، فأخبر أنه جعل الشمس والقمر في السموات.
وقال تعالى: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون: بيَّن أنه خلق السموات والأرض وأنه خلق الظلمات والنور؛ لأن الجعل هو التصيير؛ يقال: جعل كذا إذا صيره. فذكر أنه خلق السموات والأرض، وأنه جعل الظلمات والنور؛ لأن الظلمات والنور مجعولة من الشمس والقمر المخلوقة في السموات؛ وليس الظلمات والنور والليل والنهار جسما قائما بنفسه، ولكنه صفة وعرض قائم بغيره" انتهى.
انظر: "مجموع الفتاوى" (6/ 597 - 598).
ثالثًا:
ذكر الليل والنهار في الآية الكريمة؛ لأن الله خاطب الناس بما يعهدون، والمقصود العبادة الدائمة، لأن الليل والنهار يشملان الأزمان كلها عند الناس فخوطبوا بما يعلمون.
قال الآلوسي: "(يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي: دائمًا، وإن لم يكن عندهم ليل ونهار، (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) لا يملون ذلك"، انتهى من "روح المعاني" (12/ 377).
وقال: "ثم إن كون الملائكة يسبحون الليل والنهار: لا يستلزم أن يكون عندهم في السماء ليل ونهار لأن المراد إفادة دوامهم على التسبيح على الوجه المتعارف".
انتهى من "روح المعاني" (9/22).
والله أعلم.