زوجي يعاني من دوار مزمن، ناتج عن التهاب العصب الدهليزي، وفي رمضان تسوء حاله مع الصيام، ولا يستطيع القيام لصلاة الفجر من شدة الدوار، وفقدان التوازن، عند نوبات الدوار يصبح أشبه بمن يفقد الوعي، لا يرد علي، ولا يستطيع استيعاب كلامي، زوجي طالب علم، وعلى دين، ولله الحمد، ويحزنه عدم قدرته على الصلاة، خاصة في رمضان، أنا أحاول مساعدته على الوضوء، ويصلي وهو مستلقٍ، ولكن في بعض الأحيان يدخل أذان الفجر وهو على جنابة، ويعجز عن الاغتسال، فلا يصلي الفجر إلا بعد انتهاء نوبة الدوار، وأحيانا تستمر النوبة من الفجر إلى المغرب حين يفطر، فيقضي الصلوات بعدها. فهل الأولى له أن يفطر عند نوبات الدوار حتى يتمكن من الصلاة في وقتها؟ وفي حالة جاءته نوبة الدوار وهو جنب هل يجوز له الوضوء فقط والصلاة؛ كي لا يخرج وقتها، أم يصلي حين يقدر على الاغتسال؟ ويخبرني دائما أن صلاته أثناء نوبة الدوار لا يستطيع التركيز بها أو الخشوع، هو في حيرة من أمره، فهل ينتظر انتهاء نوبة الدوار، أم يستمر في الصلاة وهو مستلقٍ حفاظًا على وقتها؟
الحمد لله.
أولا:
إذا كان الصيام يزيد من احتمال إصابة زوجك بالدوار، أو طول مدته أو شدته، فإنه يباح له الفطر عند شعوره بنوبة الدوار، وكذا الفطر بعد الإصابة إن كان ذلك يخفف عنه.
قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/183- 184.
والمرض الذي يبيح الفطر هو المرض الذي يلحق الصائم معه مشقة ظاهرة.
قال النووي في "المجموع" (6/261): " الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ لا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ. . .
وَهَذَا إذَا لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِالصَّوْمِ.
وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالَةٍ لا يُمْكِنُهُ فِيهَا الصَّوْمُ , بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: شَرْطُ إبَاحَةِ الْفِطْرِ : أَنْ يَلْحَقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ يُشَقُّ احْتِمَالُهَا " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والمريض له أحوال:
الأول: ألا يتأثر بالصوم، مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، أو وجع الضرس، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحل له أن يفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحل له لعموم الآية وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا [البقرة: 185]، ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلل بعلة، وهي أن يكون الفطر أرفق به، فحينئذ نقول له الفطر، أما إذا كان لا يتأثر، فإنه لا يجوز له الفطر ويجب عليه الصوم.
الحال الثانية: إذا كان يشق عليه الصوم ولا يضره، فهذا يكره له أن يصوم، ويسن له أن يفطر.
الحال الثالثة: إذا كان يشق عليه الصوم ويضره، كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكر، وما أشبه ذلك، فالصوم عليه حرام" انتهى من "الشرح الممتع" (6/341).
ثانيا:
إذا أصابته نوبة الدوار وهو جنب، وجب عليه الغسل لأجل الصلاة، وجاز له جمع الظهرين والعشاءين تقديما أو تأخيرا، فإن استمرت النوبة وخشي خروج وقت الصبح أو العصر أو العشاء، جاز له التيمم؛ لأنه مريض غير قادر على استعمال الماء، وإنما يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت رجاء أن تزول عنه النوبة.
ثالثا:
يلزم الإنسان أن يصلي قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب؛ لما روى البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : "كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ).
ولا يجوز له إخراج الصلاة عن وقتها إلا في حالة الجمع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (24/14): "ويجمع المريض والمستحاضة" انتهى.
ولا يضره عدم التركيز أو الخشوع.
ونسأل الله أن يشفيه ويعافيه ويأجره في مصابه.
والله أعلم.