الحمد لله.
أولا :
دلت الأدلة الشرعية على أن الزكاة لا تجب في كل مال يملكه المسلم، وإنما تجب في أموال محددة، وهي:
1- الذهب والفضة، ويلحق بهما الآن الأوراق النقدية.
فقد جاء في "قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي" : " وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان [الذهب والفضة] والعروض المعدة للتجارة " انتهى من " القرار/6، (ص/101) .
وجاء في "قرار هيئة كبار العلماء" (1/88):
" وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية ؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها : أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته ، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان ... ، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية :
... ... ...
ثانياً: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها " انتهى.
2- بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) .
3- الخارج من الأرض (الزروع والثمار والركاز) .
4- عروض التجارة . وهي كل ما اتخذه صاحبه للتجارة فيه طلبا للربح ، كالسيارات والعقارات والثياب وغيرها .
وقد أجمع العلماء على وجوب الزكاة في هذه الأموال ، إلا خلافا ضعيفا في عروض التجارة .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (25/10) عن ابن المنذر رحمه الله أنه قال : "أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ : فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ (القمح) وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ . إذَا بَلَغَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ" انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم: (49632) ، (220039) .
أما ما سوى ذلك من الأموال فلا زكاة فيها ، مهما بلغت قيمتها .
ثانيا :
الأشياء التي يقتنيها المسلم بقصد استعمالها وليس بقصد التجارة فيها: ليس فيها زكاة بإجماع العلماء ، وتسمى عند الفقهاء : "أموال القنية" .
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ) رواه مسلم (982) .
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" : " هَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي أَنَّ أَمْوَال الْقِنْيَة لا زَكَاة فِيهَا , وَأَنَّهُ لا زَكَاة فِي الْخَيْل وَالرَّقِيق إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فلا زكاة على الإنسان فيما يقتنيه من الأواني والفروش والمعدات والسيارات والعقارات وغيرها حتى وإن أعده للإيجار، فلو كان عند الإنسان عقارات كثيرة تساوي قيمتها الملايين ولكن لا يتَّجر بها ـ أي لا يبيعها ولا يشتري بدلها للتجارة مثلاً ـ ولكن أعدها للاستغلال؛ فإنه لا زكاة في هذه العقارات ولو كثرت ، وإنما الزكاة فيما يحصل منها من أجرة أو نماء ، فتجب الزكاة في أجرتها إذا تم عليها الحول من العقد ، فإن لم يتم عليها الحول فلا زكاة فيها ، لأن هذه الأشياء الأصل فيها براءة الذمة حتى يقوم فيها دليل على الوجوب .
بل قد دل الدليل على أن الزكاة لا تجب فيها في قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) فإنه يدل على أن ما اختصه الإنسان لنفسه من الأموال غير الزكوية ليس فيه صدقة أي ليس فيه زكاة ، والأموال التي أعدها الإنسان للاستغلال من العقارات وغيرها لا شك أن الإنسان قد أرادها لنفسه ولم يردها لغيره ؛ لأنه لا يبيعها ولكنه يستبقيها للاستغلال والنماء" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/254) .
ثالثا :
الفرق بين الأموال التي تجب فيها الزكاة والتي لا تجب : أن الشريعة أوجبت الزكاة في الأموال النامية ، كبهيمة الأنعام ، والزروع والثمار ، فإنها تنمو بنفسها ، وأما النقود والذهب والفضة فإنها قابلة للنماء بالتجارة فيها .
وأما الأموال التي يقتنيها الإنسان بقصد استعمالها كالمسكن والسيارة ... وغيرها ، فإنها ليست معدة للنماء .
وهذا من رحمة الشرعية وحكمتها ، فإنها لو فرضت الزكاة في جميع الأموال لكان في ذلك مشقة على المسلم ، حيث إن الزكاة بمرور السنين ستأكل أمواله الضرورية للحياة .
وأوجبت الشريعة الزكاة في الأموال النامية ليكون إخراج الزكاة سهلا على المسلم ، حيث يخرج الزكاة من نماء الأموال .
قال ابن القاسم رحمه الله في حاشيته على "الروض المربع" (3/256) :
"والزكاة إنما شرعت في الأموال النامية" انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَشْيَاءِ النَّامِيَةِ ، لِيُخْرِجَ مِنْ النَّمَاءِ فَيَكُونَ أَسْهَلَ" انتهى من "المغني" (4/169) .
وقال أيضا (4/74) :
"وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ ، أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ مُرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ ، فَالْمَاشِيَةُ مُرْصَدَةٌ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ مُرْصَدَةٌ لِلرِّبْحِ ، وَكَذَا الْأَثْمَانُ [الذهب والفضة والنقود] ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْحَوْلُ ؛ فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ النَّمَاءِ ، لِيَكُونَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِنَّهُ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ ، وَلَمْ نَعْتَبِرْ حَقِيقَةَ النَّمَاءِ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِ ، وَعَدَمِ ضَبْطِهِ ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ ، فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ضَابِطٍ ، كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى تَعَاقُبِ الْوُجُوبِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ مَرَّاتٍ ، فَيَنْفَدَ مَالُ الْمَالِكِ .
أَمَّا الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ ، فَهِيَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهَا ، تَتَكَامَلُ عِنْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهَا ، فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا حِينَئِذٍ ، ثُمَّ تَعُودُ فِي النَّقْصِ لَا فِي النَّمَاءِ ؛ فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ ، لِعَدَمِ إرْصَادِهَا لِلنَّمَاءِ ، وَالْخَارِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مُسْتَفَادٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَرْضِ ، بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلنَّمَاءِ ، مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَثْمَانَ قِيَمُ الْأَمْوَالِ ، وَرَأْسُ مَالِ التِّجَارَاتِ ، وَبِهَا تَحْصُلُ الْمُضَارَبَةُ وَالشَّرِكَةُ ، وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ لِذَلِكَ ، فَكَانَتْ بِأَصْلِهَا وَخِلْقَتِهَا ، كَمَالِ التِّجَارَةِ الْمُعَدِّ لَهَا" انتهى .
وبهذا يظهر الفرق بين النقود المدخرة لشراء منزل ، ففيها الزكاة ، لأنها قابلة للنماء بالتجارة فيها.
وأما المنزل نفسه فغير قابل للنماء ، وإنما هو للاقتناء فلا زكاة فيه .
والله أعلم .