الحمد لله.
أولا:
الاستغفار من الأذكار التي يعظم ثوابها ؛ لما يترتب عليه من غفران الذنوب ، ومحو السيئات ، وزيادة الحسنات ، وكشف الكربات ، وتكثير الأرزاق .
فقد قال تعالى: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) نوح/10-12.
كما أنه من أسباب القوة والرحمة ، قال الله عز وجل: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) هود/52.
وقال سبحانه : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) هود/3.
وقال عز من قائل: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النمل/46.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في اليوم والليلة مئة مرة، أو أكثر من سبعين مرة .
فعَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلم (2702) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (6/114) وأحمد في "المسند (2/450) وحسنه محققو المسند.
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( وَاللَّهِ إِنِّي لاَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) رواه البخاري (6307).
وفي هذه الأحاديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله تعالى في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة؛ بل أكثر من مئة مرة.
ثانيًا:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر مئة مرة في مجلس الواحد:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" رواه أبو داود (1516)، والترمذي (3430)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود".
ولم نقف على من صرح من أهل العلم بأن استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد، هذا العدد كان متصلا، كما يتصل التسبيح والتحميد والتكبير في دبر الصلوات.
بل ظاهر الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتقصد هذا العدد، أو يسرده متواليا؛ وإنما الصحابة كانوا يحصونه له، من كثرة ما يورده صلى الله عليه وسلم في مجلسه، في أوله، أو آخره، أو في أثناء حديثه إليهم، وجلوسه صلى الله عليه وسلم معهم.
وفي بعض ألفاظ الحديث : " ربّما عُدَّ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحدِ مئة مرّة " – موارد الظمأن إلى صحيح ابن حبان (2459) - .
وفي بعضها : ( إنْ كَانَ لَيُعَدُّ .. ) – ابن أبي شيبة (36221).
وهذا كله يلمح إلى أن ذلك العد لم يكن مقصودا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من فعله، وإنما هو من لحظ أصحابه، وضبطهم لهديه؛ حتى ربما بلغ العدد الذي أحصوه له هذا المبلغ.
وأيا ما كان الأمر، فليس في لفظ الحديث ، ولا في فعل النبي صلى الله عيله وسلم : ما يقيد الاستغفار في المجلس الوحد بأنه كان متواليا، لا يقطعه غيره من الكلام. بل هو مطلق في المجلس؛ فمتى جاء به القائل في مجلسه، صدق عليه أنه استغفر في مجلسه الواحد، طال أو قصر هذا المجلس، وصدق عليه – إن شاء الله – أنه تابع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الهَدْي الشريف.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (259154).
والله أعلم .