الحمد لله.
إذا شرط الواقف أن المصحف يأخذه من يختم القرآن في شهر، فهذا شرط معتبر يلزم العمل به، فلا يأخذه إلا من غلب على ظنه أنه سيقوم بذلك.
قال في "دليل الطالب" ص 188: " ونص الواقف كنص الشارع، يجب العمل بجميع ما شرطه؛ ما لم يُفضِ إلى الإخلال بالمقصود" انتهى.
وهذا الشرط ذكره جماعة من الفقهاء ولم يُنكروه.
ففي "فتاوى النووي" رحمه الله ص157: "مسألة: وقف وقفًا على من يقرأ كل يوم جُزْءًا من القرآن قراءة مرتلة، ما حدُّ المرتلة؟
الجواب: أنها تُعْرف بالعرف، وتقريبها أنها قراءة مبيَّنة فيها تمهل" انتهى.
وفي "الحاوي" للسيوطي (1/181): "مسألة: رجل وقف مصحفا على من يقرأ فيه كل يوم حزبا ويدعو له، وجعل له على ذلك معلوما من عقار وقفه لذلك، فأقام القارئ مدة يتناول المعلوم ولم يقرأ شيئا، ثم أراد التوبة فما طريقه؟ .
الجواب: طريقه أن يحسب الأيام التي لم يقرأ فيها، ويقرأ عن كل يوم حزبا، ويدعو عقب كل حزب للواقف حتى يوفي ذلك" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "توجد أرض لشخص يقال إنه أخذها من واحد قال له إذا أنت ترغب في أخذ هذه الأرض ملكاً، فيجب أن تقرأ كل يوم جزءاً من القرآن بعد صلاة الفجر وأخذ هذا الرجل الأرض بذلك الشرط، والآن هذا الشخص يريد أن يسلم هذه الأرض لأنه عاجز عن الاستمرار في القراءة لكبر سنه، وأولاده لا يقرؤون القرآن، وهو يخاف أن يموت أو يحدث له أي مكروه بسبب ترك الأرض عند أولاده، فيقول كيف يعمل في هذه الأرض لأن جميع الناس عندهم رفضوا أخذها بسبب شرط القراءة، فكيف يتصرف فيها؟ وما حكم أخذها وتملكها بذلك الثمن الذي هو القراءة؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
"هذه الصيغة على وجهين: إن كان صاحب الأرض أراد أن يجعلها أجرة لمن يقرأ له هذا القدر كل يوم؛ فإن هذه الأجرة لا تصح لأن القراءة من أعمال القرب، وأعمال القرب لا يجوز أخذ الأجرة عليها.
وإن كان صاحب الأرض قد أوقفها على من يقرأ كل يوم جزءاً: فيكون هذا قد أوقفها على القراء؛ فمن لم يكن قارئاً، فإنه لا يستحق منها شيئاً.
وعلى هذا، أو على التقديرين كليهما: لابد أن تسلمها إلى المحكمة الشرعية، وهي التي تتولى أمرها والله الموفق" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (16/2).
والحاصل:
أن هذا شرط صحيح، ولا يجوز لمن يعلم من نفسه أنه لن يختم في شهر أن يأخذ المصحف، فإن أخذه ولم يف بالشرط، ولم يقرأ كل يوم جزءا، فإنه يعيد المصحف إلى الواقف، ليأخذه من يلتزم بالشرط .
والله أعلم.