الحمد لله.
أولا:
إذا كان دهسك للقطة بالخطأ فلا إثم عليك؛ لقول الله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ) الأحزاب/5 .
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : "في يوم من الأيام وأنا أشغل سيارتي وإذا في الماطور قطط وقتلها ماطور السيارة ، هل علي إثم في ذلك ؟
فأجابت: " لا حرج عليك في ذلك ؛ لعدم تعمدك قتلها " انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (21 / 280).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة : "تسببت في قتل ثلاث قطط صغيرة بدون قصد ، وكان هذا في صبيحة يوم عرفة ، وقد قال الرسول ( عذبت امرأة في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) أو كما قال ، وهي خائفة من هذا الشيء ، فهل عليها ذنب في ذلك ؟ وإذا كان عليها ذنب فهل تتصدق بشيء أم لا ؟
فأجاب :"ليس عليها ذنب في هذا ، لأنها كما قلت في سؤالك بغير قصد ، وقد قال الله تبارك وتعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) فليس عليها شيء.
وليس عليها صدقة أيضاً ، وليس عليها ضمان ، لأن هذه القطط ليست ملكاً لأحد حتى تضمن إلى مالكها ، وليس فيها جزاء حتى يتصدق عنها.
وأما الحديث الذي ذكرت في سؤالك، فإن هذه المرأة دخلت النار لأنها عذبت الهرة حيث حبستها حتى ماتت جوعاً ، فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (13/266).
ثانيا:
اختلف الفقهاء فيما يسمى بالقتل الرحيم للحيوان لإراحته، فمنهم من منعه كالشافعية والحنابلة ومنهم من أجازه كالمالكية.
قال الشبراملسي في حاشيته على نهاية المحتاج (8/ 117): "يحرم ذبح الحيوان غير المأكول، ولو لإراحته، كالحمار الزَّمِن مثلا" انتهى.
وقال البهوتي في كشاف القناع (1/ 55): "(ولا) يجوز ذبحه أيضا (لغيره) كـ: لإراحته (ولو) كان (في النزع) وكذا الآدمي بل أولى ولو وصل إلى حالة لا يعيش فيها عادة أو كان بقاؤه أشد تأليما له وقد عمت بذلك البلوى" انتهى.
وأجاز ذلك المالكية.
قال الدردير في شرحه على مختصر خليل: "(كذكاة ما لا يؤكل)، كحمار أو بغل (إن أيس منه) فيجوز تذكيته، بل يندب لإراحته".
قال الدسوقي في حاشيته عليه (2/ 108): "أي أيس في الانتفاع به حقيقة لمرض أو عمى، أو حكماً بأن كان في مغارة من الأرض لا علف فيها ولا يُرجى أخذ أحد له" انتهى.
وقال الخرشي (3/ 18):
"(ص) كذكاة ما لا يؤكل إن أيس منه.
(ش) تشبيه في الجواز أي أنه يجوز بل يستحب ذكاة ما لا يؤكل من الحيوان غير الآدمي إراحة له إن أيس منه لمرض أو عمى بمكان لا علف فيه ولا يرجى أخذ أحد له فلو ترك المأيوس ربه فأنفق عليه غيره حتى صح فربه أحق به ويدفع للمنفق ما أنفقه على المأيوس" انتهى.
ومقصودهم بالذكاة: الذبح لا بالمعنى الشرعي؛ لأنه حيوان غير مأكول، والذبح هو أرفق الطرق لإزهاق الحياة.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الحيوان إذا مرِضَ، فإنْ كان مما لا يُؤكَل لحْمُه ولا يُرْجَى شِفَاؤُه فلا حرج عليك في أن تقتله ، لأن في إبقائِه إلزاماً لك في أمر يكون فيه ضياع مالك ، لأنه لا بد أن تنفق عليه ، وهذا الإنفاق يكون فيه إضاعة للمال ، وإبْقَاؤه إلى أن يَمُوتَ بدون أن تُطْعِمَهُ أو تَسْقِيَه محرّمٌ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (دخلَت امرأة النار في هرة حبستها ، لا هي أطعمتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاشِ الأرض) أما إن كان الحيوان مما يُؤْكل ، وبلغت الحال به إلى حد لا يُمْكن الانتفاع به ولا إعطاؤُه لمن ينتفع به فإن حكمه حكم الحيوان مُحرّمُ الأكْلِ ، أيْ أنه يجوز له أن يتلفه ، سواء بذبحه أو قتله بالرصاص ، وافعل ما يكون أريح له، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) انتهى من فتاوى منار الإسلام (3/750).
وينظر جواب السؤال (8814)
ثالثا:
على القول بمشروعية القتل الرحيم للحيوان، فلا بد من اختيار أرحم الطرق وأسرعها وأبعدها عن التعذيب؛ حتى إذا أمكن تخديره قبل قتله كان هو المشروع فيه.
ولقد أخطأت في تعمدك دهس القطة مرة أخرى لقتلها وإراحتها، وكان الأولى بك إذ لم يتيسر لك طريقة مريحة لقتلها: أن تتركها وشأنها.
والله أعلم.