الحمد لله.
ما ذكر عن أبي حنيفة، أنه رأى أنه ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلاقة ذلك بتصديه للتدريس، فالجواب عنه من شقين:
الأول : حول صحة النقل لهذه الرؤيا.
فقد رُويت من عدة طرق، صح منها ما أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (15/444)، فقال:" أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عُمَر الداودي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله بن أَحْمَد بن يَعْقُوب المقرئ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سليمان الباغندي، قَالَ: حَدَّثَنِي شعيب بن أيوب، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يحيى الحماني، قال: سمعت أبا حنيفة، يقول: ( رأيت رؤيا فأفزعتني، رأيت كأني أنبش قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت البصرة، فأمرت رجلا يسأل مُحَمَّد بن سيرين، فسأله، فقال: هذا رجل ينبش أخبار رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وإسناده حسن.
فيه :"أبو يحيى الحماني " : قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/528) :" كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيْثِ وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ ".
وأما " شعيب بن أيوب الصريفيني "، فقد وثقه الدارقطني كما في "تاريخ بغداد" (10/337)، ووصفه ابن حبان والدارقطني بالتدليس كما في "طبقات المدلسين" (38)، وقد صرح هنا بالتحديث.
وأما " محمد بن محمد بن سليمان الباغندي "، ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/343)، فقال :" كان فهما حافظا عارفا... ثم عقب على من تكلم فيه قائلا : لم يثبت من أمر ابن الباغندي ما يعاب به سوى التدليس، ورأيت كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح ".
وأما " عبيد الله بن أحمد بن يعقوب "، فهو ثقة، حيث ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (12/87)، ونقل توثيق الأزهري والعتيقي له.
وأما شيخ الخطيب، وهو محمد بن عمر الداودي، فقد ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/62)، ووثقه.
الشق الثاني : حول ارتباط هذه الرؤيا بتصديه للإفتاء والتدريس، فإنه لا يصح.
فقد أخرج الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (15/459)، من طريق الصيمري قال: قرأنا على الحسين بن هارون، عن أبي العباس بن سعيد، قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بن عبد الله بن سالم، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت هشام بن مهران، يقول:( رأى أَبُو حنيفة في النوم كأنه ينبش قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث من سأل له مُحَمَّد بن سيرين، فقال مُحَمَّد بن سيرين: من صاحب هذه الرؤيا؟ ولم يجبه عنها، ثم سأله الثانية، فقال: مثل ذلك، ثم سأله الثالثة، فقال: صاحب هذه الرؤيا يثور علما لم يسبقه إليه أحد قبله، قال هشام: فنظر أَبُو حنيفة وتكلم حينئذ).
وإسناده مسلسل بالمجاهيل، لم نقف على تراجم أكثر رواته.
والله أعلم.