الحمد لله.
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تسافر دون محرم، ولو كان السفر قصيرا دون مسافة قصر الصلاة؛ لما روى البخاري (1729)، ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ : (اخْرُجْ مَعَهَا).
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة : " قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم ) وفي رواية : ( فوق ثلاث ) وفي رواية : ( ثلاثة ) وفي رواية : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم ) وفي رواية : ( لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها ) وفي رواية : ( نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين ) وفي رواية : ( لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها ) وفي رواية : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم ) وفي رواية : ( مسيرة يوم وليلة ) وفي رواية : ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) هذه روايات مسلم. وفي رواية لأبي داود : ( ولا تسافر بريدا ) والبريد مسيرة نصف يوم .
قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ: لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن. وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة، أو البريد. قال البيهقي: كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم فقال: لا، وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال: لا، وسئل عن سفرها يوما فقال: لا، وكذلك البريد ، فأدى كل منهم ما سمعه. وما جاء منها مختلفا عن رواية واحدٍ ، فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا وتارة هذا ، وكله صحيح ، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفرا . فالحاصل: أن كل ما يسمى سفرا تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين، أو يوما، أو بريدا، أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة : (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا. والله أعلم " انتهى كلام النووي.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339): " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا ، سواء قصرت المسافة أم طالت" انتهى.
ثانيا:
اختلف أهل العلم في خروج الإنسان من مكة إلى منى، ثم إلى عرفات؛ هل يعد سفرا أم لا؟
فعلى القول بأنه سفر: يلزم المرأة أن يكون معها محرم.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "بعض النساء من داخل مكة يذهبن إلى الحج بدون محرم مع جماعات من النساء عن طريق النقل الجماعي فهل هذا جائز؟
فأجاب: الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تحج إلا بمحرم، حتى وإن كانت من أهل مكة، لأن ما بين مكة وعرفات سفر على القول الراجح؛ ولهذا كان أهل مكة يقصرون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المشاعر" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/213).
وقال في موضع آخر: "ولكن الصحيح أن القصر في منى، وفي عرفة ومزدلفة، ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال ، وهو أن الإنسان إذا خرج وتأهب، واستعد لهذا الخروج، وحمل معه الزاد والشراب: فهو مسافر" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/61).
وأفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله أن الخروج من مكة إلى عرفة لا يعد سفرا.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " ما حكم ذهاب المرأة بدون محرم إلى فريضة الحج؟ هل مثل هذا الحج مقبول أم لا ؟
فأجاب : إذا كانت في مكة: لا بأس؛ لأنه ليس بسفر، إذا كانت في مكة، وحجت مع الحريم؛ فلا بأس.
أما إذا كان فيه سفر: من جدة، من المدينة، من الرياض، من غير ذلك؛ ليس لها أن تحج إلا بمحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. أما إن كانت في مكة؛ فمِنى قريب، وعرفة قريب، وإذا كانت مع نساء طيبات، فلا بأس" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (17/48).
وسئل الشيخ عبد العزيز الراجحي: "هل يُشترط للمرأة من أهل مكة محرماً لها في الحج والعمرة؟
فأجاب: "لا يشترط، لأنه لا يعتبر سفرا، التنقلات في المشاعر، بعض أهل العلم يرى أنه سفر إلى عرفة، ولهذا تقصر الصلاة، والصواب أنه ليس سفرا، لا يعد سفراً، في هذه الحالة لا يعد سفرا التنقلات.
لكن ينبغي للمرأة أن يكون معها أحد يلاحظها في التنقلات، وفي المشاعر، هذه محلات يختلط الرجال والنساء، ويزدحم الرجال والنساء، وإلا لو طافت المرأة وحدها وسعت وحدها وما معها محرم صحَّ، إذا كانت من أهل مكة، لأنه لا يعتبر سفرا.
لكن كون يرافقها محرم إذا ذهبت إلى مِنى ومزدلفة وعرفة، لا شك أن هذا يلاحظها، لكن لو ذهبت مع أناس ثقات، مع نساء ثقات، ما يعتبر سفرا هذا" انتهى
وعلى ذلك؛ فلا حرج على من أخذت بهذا القول، وحجت من مكة بلا محرم، خاصة إذا كان معها نسوة ثقات، وكانت آمنة على نفسها، يمكنها تدبير أمرها.
والله أعلم.