الحمد لله.
أولا:
يجوز الاتفاق بين مالك الأرض وشركة الاستثمار على أن تقوم الشركة بتجهيز الأرض وزراعتها وحصادها أو جني ثمارها وبيعها، مقابل نسبة معلومة من الخارج، أو من ثمنه إذا بيع.
ولا حرج أن تكون النسبة متغيرة كل سنة، ما دامت معلومة.
ولا حرج أن يكون من الشركة كل شيء كالمياه والأسمدة وغيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ، فَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، أَوْ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ كَانَ مِنْ شَخْصٍ أَرْضٌ، وَمِنْ آخَرَ بَذْرٌ، وَمِنْ ثَالِثٍ الْعَمَلُ، فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالصَّوَابُ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يُعَمِّرُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقِصَّةُ أَهْلِ خَيْبَرَ هِيَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْذُرُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيهِمْ بَذْرًا مِنْ عِنْدِهِ، وَهَكَذَا خُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ مِثْلُ: عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُزَارِعُونَ بِبَذْرٍ مِنْ الْعَامِلِ ...
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الْمُزَارَعَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، فَلَيْسَ مَعَهُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ ...
وَكَانَ عُمَرُ يُزَارِعُ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ، فَلَهُ كَذَا، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
فَجَوَّزَ عُمَرُ هَذَا وَهَذَا، وهذا هو الصواب " انتهى، باختصار، من "الفتاوى الكبرى" (5/ 100 - 101).
ثانيا:
اشتراط عقد المزارعة في عقد البيع لا حرج فيه، بمعنى: أن تشترط الشركة على من اشترى منها أن تقوم هي بزراعة أرضه وفق عقد المزارعة السابق.
وهذا مذهب الشافعية وأحمد في رواية، خلافا للجمهور.
وينظر: "المعاملات المالية"، للشيخ أبي عمر الدبيان (5/ 373).
ثالثا:
أما الاتفاق على مبلغ من الربح لصاحب الأرض، فهذا لا يصح في المزارعة ولا في الشركة بأنواعها.
لكن يصح أن تستأجر الشركة الأرض من صاحبها بهذا المبلغ، على أن تعمل له فيها بما يتفقان عليه، ولا يكون لها علاقة بما يخرج من الزرع بعد ذلك، ولا بربحه ولا بخسارته.
ويجوز بيع الأرض مع التعهد باستئجارها من المشتري، كما بينا في جواب السؤال رقم: (298410).
والله أعلم.