هل (حديث الطير) صحيح؟

14-04-2023

السؤال 415774

هل حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الفرخ المشوي صحيحة؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر يعرف بـ ” حديث الطير” وقد روي من طرق كثيرة لا تصح ولا يقوي بعضها بعضا، كما بيّن هذا أهل العلم.

قال الزيلعي رحمه الله تعالى:

” وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف؟ كحديث: الطير … ” انتهى من “نصب الراية” (1 / 359 – 360).

وقال الخليلي رحمه الله تعالى:

” وما روى في حديث الطير ثقة. رواه الضعفاء مثل: إسماعيل بن سلمان الأزرق وأشباهه، ويرده جميع أئمة الحديث ” انتهى من “الإرشاد” (1 / 418 – 419).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن ساق طرق هذا الخبر:

” فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك، كل منها فيه ضعف ومقال.

وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في هذا الحديث، بعد ما أورد طرقا متعددة نحوا مما ذكرنا: ويُروى هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة، عن حجاج بن يوسف، وأبي عصام خالد بن عبيد، ودينار أبي مكيس …

ثم قال بعد أن ذكر الجميع: الجميع بضعة وتسعون نفسا، أقربها غرائب ضعيفة، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة، وغالبها طرق واهية ” انتهى من “البداية والنهاية” (11 / 80 – 81).

ومثل هذا الجواب لا يناسب ذكر هذه الطرق كلها، لكن يكفي الإشارة إلى أقوى ما استدل به الرافضة لصحة هذا الخبر، وهو إخراج الترمذي، وتصحيح الحاكم له في “المستدرك”.

فرواه الترمذي (3721)، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، عَنْ السُّدِّيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيْرٌ فَقَالَ: ( اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّيْرَ )؛ فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ.

قال الترمذي: ” هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ السُّدِّيِّ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ ” انتهى.

فقد حكم عليه الترمذي بالغرابة، ولم يحكم عليه بصحة ولا حسن.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

” لعل إعلاله بـ (عبيد الله بن موسى) – وهو: ابن أبي المختار العبسي – أولى، وذلك لسببين اثنين:

أحدهما: أن (عبيد الله) – وإن كان ثقة ومن رجال الشيخين، – ففيه كلام كثير – كما تراه في “التهذيب” وغيره -، وكان له تخاليط، ومنكرات، مع غلو في التشيع، قال ابن سعد في “الطبقات” (6/400) :

“كان ثقة صدوقا إن شاء الله، كثير الحديث، حسن الهيئة، وكان يتشيع، ويروي أحاديث في التشيع منكرة، فضعف بذلك عند كثير من الناس”. وفي “التهذيب”:

“قال أبو الحسن الميموني: وذكر عنده – يعني: أحمد بن حنبل – (عبيد الله ابن موسى) ، فرأيته كالمنكِر له. قال:

“كان صاحبَ تخليط، وحدث بأحاديث سوء، أخرج تلك البلايا فحدث بها”.

قيل له: فابن فضيل؟ قال: لم يكن مثله، كان أستر منه، وأما هو فأخرج تلك الأحاديث الردية”.

قلت: ولعل هذا منها – فيما يشير الإمام – ” انتهى من “السلسلة الضعيفة” (14 / 174 – 175).

وقد رواه الحاكم في “المستدرك” (3 / 141)، عن مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ أَبِي طَيْبَةَ، حدثنا أَبِي، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ” كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُدِّمَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْخٌ مَشْوِيٌّ، فَقَالَ: (اللَّهُمُ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الطَّيْرِ).

قَالَ: فَقُلْتُ: اللَّهُمُ اجْعَلْهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَاجَةٍ.

ثُمَّ جَاءَ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَاجَةٍ.

ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (افْتَحْ!) فَدَخَلَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَبَسَكَ عَلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ آخِرَ ثَلَاثِ كَرَّاتٍ يَرُدَّنِي أَنَسٌ، يَزْعُمُ أنَّكَ عَلَى حَاجَةٍ.

فَقَالَ: (مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟)

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ دُعَاءَكَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُحِبُّ قَوْمَهُ ).

ثم قال الحاكم رحمه الله تعالى: ” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثِينَ نَفْسًا، ثُمَّ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَسَفِينَةَ “.

ولم يوافقه الذهبي، وقال: ابن عياض لا أعرفه.

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” قال الحاكم: وصحت الرواية عن علي وأبي سعيد وسفينة. قال شيخنا أبو عبد الله: لا والله ما صح شيء من ذلك ” انتهى من “البداية والنهاية” (11 / 76).

ثم إن متنه فيه ما يستنكر؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كامل الموافقة لله تعالى فيما يحبه وما يكرهه، وقد ثبت أن أحب الخلق إليه هو أبو بكر رضي الله عنه. كما أن باتفاق الأمة أن أفضل هذه الأمة هو أبو بكر رضي الله عنه، ومن هو الأفضل إيمانا فهو الأحب لله تعالى.

ثم أكل الطير ليس فيه فضيلة إيمانية خاصة، حتى يطلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يشاركه فيه أحب الخلق إلى الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل منه، فإن إطعام الطعام مشروع للبر والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله؟…

الأحاديث الثابتة في الصحاح، التي أجمع أهل الحديث على صحتها، وتلقيها بالقبول: تناقض هذا، فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم يصححوه؟ !

يبيّن هذا لكل متأمل ما في صحيح البخاري، ومسلم، وغيرهما من فضائل القوم، كما في الصحيحين أنه قال: ” ( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا )، وهذا الحديث مستفيض، بل متواتر عند أهل العلم بالحديث، فإنه قد أخرج في الصحاح من وجوه متعددة من حديث ابن مسعود، وأبي سعيد، وابن عباس، وابن الزبير، وهو صريح في أنه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد أحب إليه من أبي بكر، فإن الخلة هي كمال الحب، وهذا لا يصلح إلا لله، فإذا كانت ممكنة، ولم يصلح لها إلا أبو بكر، علم أنه أحب الناس إليه.

وقوله في الحديث الصحيح لما سئل: ( أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قيل: من الرجال قال: أبوها )…

وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم محبته تابعة لمحبة الله، وأبو بكر أحبهم إلى الله تعالى، فهو أحبهم إلى رسوله… ” انتهى. ” انتهى من “منهاج السنة” (7 / 374 – 376).

والله أعلم.

الأحاديث الضعيفة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب