الحمد لله.
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فقد ذهب جمهور الحنفية , والمالكية - في قول - والشافعية , وهو وجه عند الحنابلة , إلى أن طول القيام أفضل من كثرة العدد ، وذهب المالكية في الأظهر , وهو وجه عند الحنابلة : إلى أن الأفضل كثرة الركوع والسجود ، وللحنابلة وجه ثالث , وهو : أنهما سواء , لتعارض الأخبار في ذلك .
ومما استدل به من قال إن طول القيام أفضل :
حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : " إنْ كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم
ليصلِّي حتى ترم قدماه - أو ساقاه - فيقال له ، فيقول : ( أفلا أكون عبداً شكوراً )
" .
رواه البخاري ( 1078 ) ومسلم ( 2819 ) .
ومما استدل به من قال : إن كثرة عدد الركعات أفضل :
حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أقرب ما يكون العبد من ربه
وهو ساجد فأكثروا الدعاء) مسلم ( 482 ) .
ومما استدل به أهل القول الثالث ، وهو أنهما سواء :
عن حذيفة قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت :
يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة ، فمضى ، فقلت : يركع بها ، ثم
افتتح النساء ، فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها
تسبيح سبَّح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربي
العظيم ، فكان ركوعه نحوا من قيامه ، ثم قال سمع الله لمن حمده ، ثم قام طويلاً
قريباً مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى ، فكان سجوده قريباً من قيامه "
رواه مسلم ( 772 ) .
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية القول الثالث ، قال رحمه الله :
وقد تنازع الناس , هل الأفضل طول القيام ؟ أم كثرة الركوع والسجود ؟ أو كلاهما سواء
؟ على ثلاثة أقوال : أصحها أن كليهما سواء , فإن القيام اختص بالقراءة , وهي أفضل
من الذكر والدعاء , والسجود نفسه أفضل من القيام , فينبغي أنه إذا طوَّل القيام أن
يطيل الركوع والسجود , وهذا هو طول القنوت الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم
لما " قيل له : أي الصلاة أفضل ؟ فقال : طول القنوت " رواه مسلم ( 756 ) ؛ فإن
القنوت هو إدامة العبادة , سواء كان في حال القيام , أو الركوع أو السجود , كما قال
تعالى : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً ) ، فسمَّاه قانتاً في حال سجوده
, كما سمَّاه قانتاً في حال قيامه " .
انتهى من " الفتاوى الكبرى " ( 2 / 121 ، 122 ) .
وقال :
" وقد تنازع العلماء : أيما أفضل : إطالة القيام ؟ أم تكثير الركوع والسجود ؟ أم
هما سواء ؟ على ثلاثة أقوال : وهي ثلاث روايات عن أحمد ، وقد ثبت عنه في الصحيح "
أي الصلاة أفضل ؟ قال : ( طول القنوت ) " ، وثبت عنه أنه قال : ( إنك لن تسجد لله
سجدة إلا رفعك الله بها درجة ; وحط عنك بها خطيئة ) رواه مسلم ( 488 ) ، وقال
لربيعة بن كعب : ( أعنِّي على نفسك بكثرة السجود ) رواه مسلم ( 489 ) .
ومعلوم أن السجود في نفسه أفضل من القيام , ولكن ذكر القيام أفضل , وهو القراءة ,
وتحقيق الأمر : أن الأفضل في الصلاة أن تكون معتدلة ، فإذا أطال القيام ، يطيل
الركوع والسجود , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل , كما رواه حذيفة
وغيره ، وهكذا كانت صلاته الفريضة , وصلاة الكسوف , وغيرهما : كانت صلاته معتدلة ,
فإن فضَّل مفضِّل إطالة القيام والركوع والسجود مع تقليل الركعات ، وتخفيف القيام
والركوع والسجود مع تكثير الركعات : فهذان متقاربان ، وقد يكون هذا أفضل في حال ,
كما أنه لما صلى الضحى يوم الفتح صلَّى ثماني ركعات يخففهن , ولم يقتصر على ركعتين
طويلتين ، وكما فعل الصحابة في قيام رمضان لما شق على المأمومين إطالة القيام " .
انتهى " الفتاوى الكبرى " ( 2 / 252 ) ، وينظر أيضا تفصيلا مهما في "مجموع الفتاوى"
(23/69-83) .
والله أعلم .