الحمد لله.
أولاً:
القاعدة في هذا أن ما كان من هذه العمليات أو الإجراءات الطبية التجميلية لإزالة عيب خلْقي، أو طارئ بسب حادث أو حروق، أو تشوهات حدثت بسبب أمراض جلدية ونحو ذلك، ويراد منها إزالة عيب، أو إعادة العضو للخلقة المعهودة، فهذه جائزة ولا إشكال فيه.
فإذا كان هذا الحقن لمعالجة عيب في الجسم كتضخم جهة دون أخرى، أو سمنة مفرطة، أو تضخم في مكان خلاف الوضع الطبيعي بسبب مشاكل في الهرمونات ونحو ذلك كما يحدث مع البعض= ففي هذه الحالة فإنّ الحقن أو الشفط جائز، سواء بنقل دهون ذاتية أو بمواد خارجية، ما لم يكن به ضرر أو مضاعفات طبية.
ودليل ذلك:
2- أنّ تحريم تغيير الخلق جاء مقيدا بإرادة الحسن، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى. مَالِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)"رواه البخاري (5931)، ومسلم (2125).
قال النووي رحمه الله تعالى: " وأما قوله: (المُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ): فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن، وفيه إشارة إلى أنّ الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج ، أو عيب في السن ونحوه ؛ فلا بأس . والله أعلم " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (14/106).
3- أن تحريم تغيير خلق الله، فيما سبق، ثبت استثناء الداء منه.
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غَيْرِ دَاءٍ). رواه أبو داود (4170) وصححه الألباني.
وعن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ؛ إِلَّا مِنْ دَاءٍ) رواه أحمد (3945) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
قال الشوكاني رحمه الله: " قوله: (إلا من داء): ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين، لا لداء وعلة، فإنه ليس بمحرم " انتهى من "نيل الأوطار" (6/229).
ثانياً:
إذا كان هذا الحقن أو الشفط -سواء حقن ذاتي أو بمواد خارجية- لزيادة التجميل والتحسين وتناسق القوام، فهذا غير جائز، ويدخل في النهي الوارد في الآية الكريمة بأنه من خطوات الشيطان التي يسعى لإيقاع الإنسان فيها مخالفة لأمر الله عز وجل، على قول جمع من أهل العلم في تفسير الآية الكريمة وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: 119].
قال القرطبي رحمه الله : "قيل: هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقيا؛ لأنه من باب تغيير خلق الله تعالى، فأما ما لا يكون باقيا كالكحل والتزين به للنساء فقد أجاز العلماء ذلك" انتهى من "تفسير القرطبي" (5/ 393). ولورود اللعن فيمن فعله طلباً للحسن كما هو الأحاديث المذكورة سلفاً.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن بعض العمليات التجميلية كتعديل الأنف ، شفط الدهون ، تصغير أو تكبير الثديين ... إلخ ، فما حكم هذه العمليات ؟ وما الضابط وفقك الله وجزاك خيراً ونفع بك ؟
فأجاب : " أما موضع التجميل الذي ذكر ، فالتجميل نوعان :
النوع الأول : إزالة عيب . والنوع الثاني : زيادة تحسين .
أما الأول - إزالة العيب -: فجائز فلو كان الإنسان أنفه مائلاً فيجوز أن يقوم بعملية لتعديله ؛ لأن هذا إزالة عيب ، الأنف ليس طبيعياً ، بل هو مائل فيريد أن يعدله ، كذلك رجل أحول ، الحول عيب بلا شك ، لو أراد الإنسان أن يعمل عملية لتعديل العيب يجوز أو لا يجوز؟ يجوز ، ولا مانع ؛ لأن هذا إزالة عيب ، لو قطع أنف الإنسان لحادث هل يجوز أن يركب أنفاً بدله ؟ يجوز ؛ لأن هذا إزالة عيب ، وقد وقعت هذه الحادثة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ، قطع أنف أحد الصحابة في حرب من الحروب ، فالرجل جعل عليه أنفاً من فضة ، ركبه على الأنف ، فأنتنت الفضة ، الفضة تنتن ، صار لها رائحة كريهة ، فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب فاتخذ أنفاً من ذهب ، إذاً هذا نقول: تجميل أو إزالة عيب ؟ إزالة عيب ، هذا جائز . كذلك لو أن الشفة انشرمت ، فيجوز أن نصل بعضها ببعض لأن هذا إزالة عيب.
أما النوع الثاني : فهو زيادة تحسين ، هذا هو الذي لا يجوز ؛ ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتفلجات للحسن ، بمعنى : أن تبرد أسنانها حتى تتفلج وتتوسع للحسن ، لعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك ، ولعن الواصلة التي تصل شعرها القصير بشعر وما أشبه ذلك" انتهى من "اللقاء الشهري" (8/50).
وقد درس المجمع الفقي الدولي مسائل التجميل في دورته الثامنة عشرة في ( ماليزيا ) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ ،الموافق9– 14تموز (يوليو )2007م. وصدر فيها قراره وفيه ما يلي:
بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: الجراحة التجميلية وأحكامها، وبعد استماعه إلى المناقشات المستفيضة التي دارت حوله. قرر ما يأتي:
الأحكام الشرعية:
1-يجوز شرعًا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:
(أ) إعادة شكل أعضاء الجسـم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها، لقوله سبحانه: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
(ب) إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.
(ج) إصلاح العيوب الخلقية مثل: الشفة المشقوقة (الأرنبية) واعوجاج الأنف الشديد والوحمات، والزائد من الأصابع والأسنان، والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر.
(د) إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليًا حالة استئصاله، أو جزئيًا إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة.
(هـ) إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًّا أو عضويًّا. (قرار المجمع 26 (1/4).
2-لا يجوز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعًا للهوى والرغبات بالتقليد للآخرين، مثل عمليات تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين، أو بقصد التدليس وتضليل العدالة وتغيير شكل الأنف وتكبير أو تصغير الشفاه وتغيير شكل العينين وتكبير الوجنات.
3-يجوز تقليل الوزن (التنحيف) بالوسائل العلمية المعتمدة ومنها الجراحة (شفط الدهون)، إذا كان الوزن يشكل حالة مرضية ولم تكن هناك وسيلة غير الجراحة بشرط أمن الضرر.
4-لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة أو الحقن ما لم تكن حالة مرضية شريطة أمن الضرر.
5-يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزق بسبب حادث أو اغتصاب أو إكراه، ولا يجوز شرعًا رتق الغشاء المتمزق بسبب ارتكاب الفاحشة، سدًا لذريعة الفساد والتدليس. والأولى أن يتولى ذلك الطبيبات.
6-على الطبيب المختص أن يلتزم بالقواعد الشرعية في أعماله الطبية، وأن ينصح لطالبي جراحة التجميل (فالدين النصيحة)" .انتهى
وعليه فإنك تنظرين في حالتك هل هي من القسم الأول أو الثاني وتنزلين عليها الحكم.
والله أعلم