ينتشر عند الناس قولهم إن الذي اسمه كذا له من الصفات كذا وكذا، مثل أن يقال من لها اسم هيا فهي رقيقة القلب، وحنونة، وغير ذلك من الصفات التي تذكر لمن يحمل هذا الاسم، فهل هذا جائز؟ وهل هو من الكهانة التي الإيمان بها شرك، وقراءتها لا تقبل معها صلاة أربعين يوما؟
الحمد لله.
أولًا:
شاع بين الناس مقولة: كلٌ له من اسمه نصيب، أو: لكل انسان من اسمه نصيب، ويهمنا في هذه الفقرة من الجواب التأكيد على أن هذه المقولة لا تصح منسوبة لرسول الله أو لواحد من الصحابة الكرام.
ثانيًا:
نص بعض العلماء على أن لمعنى الاسم ارتباطا بالشخص، وغرضهم من هذا هو الحث على تحسين اختيار الأسماء.
قال ابن القيم رحمه الله: "لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها؛ فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثير في المسميات، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب .... إلا ومعناه إن فكرت في لقبه" انتهى، من "زاد المعاد" (2/336).
ومن الأدلة على إمكان وجود ارتباط بين اسم الشخص وطبيعته:
ما ورد عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : "مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ [يحثه النبي هنا على تغيير اسمه] قَالَ: لا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ" أخرجه البخاري(6190).
والحزونة هي الصعوبة وشدة الخُلُق.
وعن ابن عمر: "أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة" رواه مسلم (2139).
وينظر للفائدة: "تحفة المودود بأحكام المولود" لابن القيم (120-125) ، (146-147).
ثالثًا:
يظهر مما تقدم أنه قد يكون لأسماء الأشخاص ارتباط بصفاتهم، لكننا نلاحظ عدة أمور:
الأول: أن هذا ليس في كل الحالات؛ فهذا الارتباط ليس ارتباطا ضروريا، كارتباط السبب بمسببه، وليس قاعدة تصح على كل شخص؛ فقد يكون الارتباط بعكس ما يظهر من الكلام؛ كما يكون الشخص لقبه "راهب" كأبي عامر، وقد سماه النبي صلى الله عليه "الفاسق"، وقد يكون الشخص لقبه "الضعيف"، وهو قوي في بابه.
قال محمد بن طاهر المقدسي: " سمعت أبا إسحاق الحبال يقول: سمعت عبد الغني بن سعيد الحافظ يقول:
رجلان جليلان يجمعهما لقبان قبيحان:
عبد الله بن محمد الضعيف. وإنما كان ضعيفاً في بدنه، لا في حديثه.
ومعاوية بن عبد الكريم الضال، وإنما ضل في طريق مكة." انتهى، من "المنثور من الحكايات" (37).
وفي هذا المعنى يقول محمد بن كناسة، الشاعر:
وسمّيتُه يحيى؛ ليحيا، ولم يكن * إلى ردِّ أمرِ الله فيه سبيلُ
تيممتُ فيه الفألَ حين رُزِقْتُه * ولم أدرِ أن الفألَ فيه يَفيلُ
الثاني: أن ذلك ليس قدرا ملازما، ولا أمرًا ثابتًا مطردا، بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام يغير الأسماء، وما دام عليه الصلاة والسلام يحث على تغيير الأسماء؛ فإن الصفات التي يُخشى من ارتباطها بالاسم ليست ثابتة لا تزول، لأنها لو كانت ثابتة لم ينفعها تغيير الاسم.
الثالث: أن الارتباط بين الاسم والمعنى، إذا قدرنا أنه يأخذ طابع "الأغلبية" على الأقل، فإنه هنا تم الوصول إليه عن طريق الدلالة اللغوية للاسم، ولم يتم تحديده عبر أمور اعتباطية لا تُعرف، كالتي وردت في صيغة السؤال من نسبة أوصاف لاسم (هيا)، وهذه الأوصاف ليست مرتبطة بالدلالة اللغوية للاسم.
الرابع: أن هناك حكمة مشتركة بين معظم حالات تغيير النبي عليه الصلاة والسلام للأسماء القبيحة، وهي أنه يخشى أن يقع في نفوس من يسمع الاسم تشاؤم أو تطير، والشريعة تسد ذريعة التطير، وليس التغيير نابعًا من كون الشخص يحمل الصفات التي يدل عليه المعنى اللغوي لاسمه.
روى مسلم(3983) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: "نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: أَفْلَحَ وَرَبَاحٍ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ".
وروى الترمذي(2762) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تُسَمِّ غُلَامَكَ رَبَاحٌ وَلَا أَفْلَحُ وَلَا يَسَارٌ وَلَا نَجِيحٌ؛ يُقَالُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَيُقَالُ: لَا قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رابعًا:
نخلص مما تقدم إلى أن وصف الأشخاص بأوصاف، استنتاجًا من أسمائهم:
إذا كان نابعا من الدلالة اللغوية، فليس هو قاعدة حتمية، ولا قدرا ملازما؛ بل قد يدل دلالة إشارية، لا سيما عند القوم الذين يفهمون معاني الأسماء حين تسميتهم، وعند من يفهم معنى اسمه، وينفعل به؛ لا عند من لا يبالون بالمعاني في شيء، وإنما هي رموز محضة، أو تقاليد مجردة.
وإن لم يكن نابعًا من الدلالة اللغوية للاسم، فهو نوع من الظن المذموم المنهي عنه، وهذا يدخل تحت الكهانة بالمعنى العام.
يقول الشيخ ابن عثيمين: "الكهانة فعالة مأخوذة من التكهن، وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمور لا أساس لها" انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/183).
لكن لا تنطبق عليها أحكام الكهانة المذكورة في السؤال، لأنه ليس فيها ادعاء لعلم الغيب، أو اتصال بالجن؛ لكنها تبقى فعلًا محرمًا، لا سيما إذا انساق المرأ خلفها، لما فيها من الرجم بالظن الكاذب، ولما فيها أيضا من خطر العدوان على خصوصيات الناس، وأعراضهم، وأشخاصهم؛ لمجرد "اسم" حملوه، لم يكن لهم دور في اختياره!!
وأما إن كان وصف الأشخاص بأوصاف مستنتجة من أسمائهم نابعًا من الدلالة اللغوية للاسم؛ فلدينا هنا التماس للحقيقة بأمر (قد) يشير إليها، ويدل عليها، لكن هذا هنا في أحسن أحواله هو ظن محتمل، يحتاج لأن يتم دعمه بالنظر في أحوال الشخص الواقعية ولا يُحكم على الأشخاص بمجرد الدلالة اللغوية لأسمائهم من غير التحقق الواقعي.
ويرجى النظر لجواب السؤال رقم: (193364)، (14626).
وينظر أيضا للفائدة هذا الرابط.
والله أعلم.