الحمد لله.
صلاة الضحى لا يشترط لها المسجد، بل هي كسائر النوافل تصلى في البيت، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي إلى المسجد لأجل صلاة الضحى.
وأما الحديث الذي أشرت إليه فرواه الإمام أحمد في "المسند" (36/640)، وأبو داود (558) عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى، لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ ؛ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ).
وقد حسّنه جمع من أهل العلم.
ومن ذلك قول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
"وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن في القاسم هذا -وهو ابن عبد الرحمن الشامي الدمشقي- اختلافا، وقد وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب ابن سفيان والترمذي، وصحح له وغيرهم...
وقال أبو حاتم:
"حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به، وإنما ينكر عنه الضعفاء".
وأما أحمد فخالف حيث قال:
"في حديث القاسم مناكير مما يرويها الثقات، يقولون: من قبل القاسم"! وقال أيضا: "روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، وما أراها إلا من قبل القاسم"!
قلت: فإذا كانت هذه الأعاجيب من رواية علي بن يزيد -وهو متروك كما ذكرنا قريبا في الحديث الذي قبله-؛ فلا يمكن الحمل فيها على القاسم! ولئن صح أن في حديثه مناكير من رواية الثقات عنه؛ فينبغي اجتنابها إذا تبين ذلك؛ وإلا فالرجل في نفسه ثقة، ولا يسقط ذلك الاحتجاج به، ولا حديثه عن مرتبة الحسن. ولذلك قال الحافظ في ترجمته من "التقريب":
"صدوق". " انتهى. "صحيح سنن أبي داود" (3/ 83–84).
فعلى القول بتحسينه، فعبارة: ( وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى ... ).
قد يفهم منها أن الأفضل أن يخرج المسلم إلى المسجد لصلاة الضحى.
وصلاة الضحى نافلة، والنافلة الأفضل أن تصلى في البيت، كما في حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ) رواه البخاري (7290)، ومسلم (781).
وهذا الذي عليه أهل العلم.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: فعل ما لا تسن له الجماعة من التطوع في بيته أفضل منه في المسجد وغيره، سواء في ذلك تطوع الليل والنهار وسواء الرواتب مع الفرائض وغيرها...
وفعل التطوع في البيت أفضل كما قاله في "التنبيه"، وكما قاله الأصحاب، وسائر العلماء " انتهى من "المجموع" (4/48).
وأزال بعض أهل العلم هذا التعارض، بأن حملوا معنى هذه العبارة على من يكون في مكان لا يستطيع أن يتنفل فيه كالتاجر في السوق ونحوه؛ لأن وقتها وقت انشغال الناس بطلب الرزق، فيجتهد للذهاب إلى صلاة الضحى في مكان مناسب.
قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:
" قوله: (ومن خرج إلى تسبيح الضحى) ، أي: صلاة الضحى، وكل صلاة تطوع تسبيحة وسبحة...
وقال ابن حجر – الهيتمي -: ومن هذا أخذ أئمتنا قولهم: السنة في الضحى فعلها في المسجد. ويكون من جملة المستثنيات من خبر: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) اهـ.
وفيه أنه على فرض صحة حديث المتن ، يدل على جوازه لا على أفضليته، أو يحمل على من يكون له مسكن، أو في مسكنه شاغل ونحوه على أنه ليس للمسجد ذكر في الحديث أصلا، فالمعنى من خرج من بيته أو سوقه أو شغله ، متوجها إلى صلاة الضحى ، تاركا أشغال الدنيا " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (2 / 434).
وقال العظيم آبادي، رحمه الله تعالى:
" ما قاله ابن حجر المكي هو ليس بجيد، والقول ما قال علي القاري رحمه الله " انتهى من "عون المعبود" (2/185).
والله أعلم.