ذكرتموه فيما يتعلق بالنية هو موضع احترام وتقدير وتطبيق، ولكن أود توضيح رأيكم بخصوص الجهر بالنية، وأنه محدثة، وبدعة، هذا الرأي بالنسبة لي أمر مرعب، ومخيف، وهو لو تلفظت بالنية أكون قد احدثت بدعة، والبدعة ضلالة، والضلالة في النار، أي أن المعنى الحرفي هو: أن أنوي الصلاة، وأدخل نار جهنم، أعاذنا الله منها، ولقد سبق أن سمعت من أحد أهل الذكر المعتبرين والمحترمين أنني لو قلت: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو ... ألخ أكون قد أحثت بدعة، بإضافة كلمة كريم، وبالتالي فإن المفهوم الحرفي لصاحب الفضيلة أنني ارتكبت ضلالة، والضلالة في النار، عذرا أرجو التكرم ببيان هذا الأمر؛ لأنه لا يمكن أن أحفظ نصوص الأحايث النبوية كما وردت، في الوقت الذي يختلف فيه أهل الذكر الكرام حول معظم الأراء والفتاوى.
الحمد لله.
أولًا:
البدعة والإحداث في الدين هما شكل من أشكال المعصية لله والخروج عن أمره سبحانه، وهذا الفعل الذي هو الابتداع والإحداث في الدين له في الشرع نتيجتان مترتبان على حدوثه.
النتيجة الأولى: أن هذا الفعل المحدث رغم أن صاحبه أراد به التقرب إلى الله، فإن عمله هذا يكون مردودًا لا يقبله الله، ولا يحصل منه على ما رجاه من الثواب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: منْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ رواه البخاري (2550) ومسلم (1718)
وفي رواية "مسلم" (1718): مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.
النتيجة الثانية: أن من أحدث بدعة في الدين هو كمن عصى الله، يتوعده الله بالعقوبة الإلهية الأخروية التي هي التعذيب بالنار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ أخرجه النسائي في سننه (3/188)
ثانيًا:
توعد الله أهل المعاصي والبدع بالنار لا يعني بالضرورة أن كل من عصى معصية أو ابتدع بدعة سيدخل النار، فهناك عدة موانع قد تمنع تحقق هذا الوعيد منها:
1- أن تكون له حسنات تفوق سيئاته.
2- أن يفعل حسنات تمحو هذه السيئة بعينها.
3- أن يشفع له الشافعون.
4- أن يعفو الله عنه.
5- أن يكون له عذر، مثل أن يكون قد بحث في المسألة واطمأن إلى جواز هذا الفعل وعدم بدعيته، أو قلد عالمًا معتبرًا، أو جهل مناط البدعية في هذا الفعل من أصله؛ ففي هذه الأحوال، ونحوها: يُعذر الفاعل، فلا يأثم بهذا الفعل، الذي هو في نفسه بدعة، فلا يقع حكم البدعة عليه، بل ولا يوصف أيضا بأنه مبتدع، ثم لا يصيبه الوعيد المترتب على فاعل البدعة؛ وإن كان لا يثاب على نفس ما ابتدعه في العمل، كالجهر في النية، فإن هذا القدر من عمله، مردود عليه، أولا يثاب على عمله بالكلية، إن كان العمل برمته مبتدعا، كما في كثير من البدع المخترعة في الدين.
ثالثًا:
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يجهرون بالنية، لذلك؛ فالمشروع هو استحضار النية في القلب دون الجهر بها. فإن جهرت بها فأنت تُحدث في الدين ما ليس منه، وهذا هو ضابط البدعة، وجهرك هذا عمل مردود لا تثاب عليه، لكنك لا تأثم به، ولا تعذب بالنار على هذا الفعل إلا إن كنت علمت بالبدعية، وأصررت على فعل البدعة بلا تأويل سائغ، أو تقليد لعالم معتبر.
رابعًا:
الزيادة في الدعاء ليست بدعة، ما دام الداعي يذكرها على وجه الدعاء، ولم ينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان الصواب هو الالتزام بلفظ الذكر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما دام الداعي يذكره بالهيئة الواردة، وفي الوقت الذي قيه به، ومناسبته؛ فينبغي الحرص على ضبط اللفظ الصحيح الوارد، والالتزام به. فلو كنت مثلًا ستدعو بالدعاء الوارد في حديث عائشة في الليالي التي تلتمس فيها ليلة القدر، فالتزام لفظ الحديث فهو أفضل، وإن كان الدعاء عامًا في مواطن أخرى؛ فالزيادة في ألفاظ الدعاء لا حرج فيها، ما دام صحيح المعنى في نفسه؛ وليتخير المرء من الدعاء أعجبه لنفسه، وأرجاه لطلبه.
وقد تعرضنا لجواب سؤالك على وجه الإجمال، لكنه يحتوي على مسائل كبيرة ومهمة مثل ضابط البدعة، ومكفرات الذنوب وموانع إنفاذ الوعيد الوارد فيها، والإعذار بالتأويل في البدعة، وحكم الجهر بالنية وحكم التغيير في ألفاظ الأدعية والأذكار، وقد سبق وتعرضنا لكل هذه الموضوعات فاجعل جوابنا هذا مقدمة تطالع بعدها جواب الأسئلة التالية: ( 118225)، (13693)، (13337)، (316017)، (289620)، (298258).
والله أعلم.