الحمد لله.
من كان وصيا على من يحتاج الرعاية، كالأختين المذكورتين: فإنه ينفق عليهما من مالهما، ويدخر لهما الباقي.
وإذا كانتا تسكنان معك، وتأكلان من طعامك: فلك أن تقدر قيمة ما يستهلكان من المأكل والمشرب والماء والكهرباء، وكذلك حظهما من أجرة السكن، والثياب والعلاج ... وجميع ما يحتاجان إليه من نفقات ؛ فتأخذ قدر ذلك من معاشهما، وتحفظ لهما الباقي.
قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/220.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/ 582): " قوله: قل إصلاح لهم خير أي: على حِدَة وإن تخالطوهم فإخوانكم أي: وإن خلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم، فلا بأس عليكم؛ لأنهم إخوانكم في الدين؛ ولهذا قال: والله يعلم المفسد من المصلح أي: يعلم مَنْ قصدُه ونيته الإفساد، أو الإصلاح.
وقوله: ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم أي: ولو شاء لضيق عليكم وأحرجكم، ولكنه وسع عليكم، وخفف عنكم، وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن، كما قال: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [الأنعام: 152] " انتهى.
وقال في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 175): "وحرُم تصرفُ وليِّ صغيرٍ، ووليِ مجنونٍ وسفيهٍ؛ إلا بما فيه حظٌّ للمحجور عليه؛ لقوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن؛ والسفيه والمجنون في معناه.
وإذا تبرع الولي بصدقة أو هبة، أو حابى بأن باع من مال مَوْلِيِّه بأنقصَ من ثمنه، أو اشترى له بأزيد، أو زاد في الإنفاق على نفقتهما، أي الصغير والمجنون بالمعروف، أو زاد في الإنفاق على (من تلزمهما مؤنته بالمعروف: ضمن ما تبرع به، وما حابى به، والزائدَ في النفقة؛ لتفريطه " انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (45/ 162): " لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور إلا على النظر والاحتياط، وبما فيه حظ له واغتباط؛ لحديث: (لا ضرر ولا ضرار) .
وقد فرعوا على ذلك: أن ما لا حظ للمحجور فيه، كالهبة بغير العوض، والوصية والصدقة والعتق، والمحاباة في المعاوضة: لا يملكه الولي، ويلزمه ضمان ما تبرع به من هبة أو صدقة أو عتق، أو حابى به، أو ما زاد في النفقة على المعروف أو دفعه لغير أمين، لأنه إزالة ملكه من غير عوض؛ فكان ضررا محضا ...
ولا خلاف بين الفقهاء في أن على الولي الإنفاق من ماله على موليه، وعلى من تلزمه مؤنته بالمعروف؛ من غير إسراف ولا تقتير، لقوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما.
وزاد الشافعية والحنابلة: فإن قتر أثم، وإن أسرف أثم وضمن لتفريطه." انتهى.
وإن كان الولي فقيرا، جاز أن يأكل بالمعروف: الأقلَّ من أجرة مثله، أو قدر كفايته.
قال في "كشاف القناع" (3/455): " وللولي المحتاج - غير الحاكم وأمينه - : أن يأكل من مال المولى عليه، لقوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني فقير وليس لي شيء ولي يتيم، فقال : كُلْ من مال يتيمك غير مسرف رواه أبو بكر.
(الأقلَّ من أجرة مثله، أو قدر كفايته)؛ لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا، فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا فيه.
(ولو لم يقدره حاكم)...
ولا يلزمه أي الولي عوضه؛ أي ما أكله، إذا أيسر؛ لأن ذلك جُعل عوضا له عن عمله؛ فلم يلزمه عوضه، كالأجير والمضارب، ولأنه تعالى أمر بالأكل ولم يذكر عوضا.
وإن كان الولي غنيا لم يجز له ذلك؛ أي الأكل من مال المولى عليه، لقوله تعالى: ومن كان غنيا فليستعفف " انتهى.
والأولى ما ذكرناه من تقدير ما يستهلكانه من مأكل ومشرب... إالخ، وأخذ قدر ذلك من معاشهما كل شهر.
والله أعلم.