لدي خالة من جهة أمي حفظها الله تعالى، منذ صغري وإلى الٱن ونحن بحمد الله نعاملها بما يقتضيه منا الشرع الإسلامي؛ من حسن معاشرة، ومساعدة، لكن مع كل مشكلة تقع فيها، وتخرج منها بسلام لا تتعلم من خطئها، وتعاود الكرة، هذا الأمر لا يزال يتكرر منذ سنين عديدة، دائما ما تدخلنا في مشاكلها، وتنكد علينا في حياتنا، كما إنها تدخل في خصام مع والداي ومعي أيضا، كلما زارتنا أيضا تعكر علينا الجو في المنزل، وفي مرات كثيرة ٱذتنا بكلامها وتصرفاتها، وفي ٱخر لقاء لنا أرادت المبيت في المنزل، فأخبرتها باحترام أن تذهب، وترجع في يوم ٱخر، لكنها رفضت الإصغاء لكلامي، وبدأت في قول: حسبي الله ونعم الوكيل، وغادرت. السؤال: أريد أن أعرف كيف نتصرف مع خالتي؟ وهل يلحقني إثم حين أخبرتها أن تؤجل المبيت ليوم آخر؟ وهل قولها: حسبي الله ونعم الوكيل، وهي تقصد بها الدعاء علينا، هل فيه خطر علي وعلى والداي؟
الحمد لله.
أولًا:
لا شك أن وضعا كهذا مزعج لكم، ومحزن، ويزيد من تعقيد الحياة وألمها، ووقوع الأذى من بعض الناس متوقع، حتى قيل ليس إلى النجاة من أذى الخلق سبيل، نسأل الله أن يكف عنكم ما يؤذيكم بحوله وقوته.
ثانيًا:
يظل استعمال الإحسان واللطف أحد الخيارات المهمة هنا، ما وجدتم إلى ذلك سبيلا لا ضرر فيه؛ فأنتم لا تملكون تغييرها، لكن كل ما تملكونه هو خياراتكم أنتم، واستجابتكم أنتم، فحافظوا على ردود الفعل اللطيفة، وأحسنوا إليها، فتغيرها ليس بيديكم فتقبلوها كما هي، والتقبل لا يعني الرضا بأفعالها لكن يعني التسليم بأنها كما هي والتركيز على ردود فعلكم لا على تغيرها.
ثالثًا:
كل العلاقات إنما يحدد مسارها معايير أطراف العلاقة، ومدى تمسكهم بها، أو اختيارهم التنازل عنها.
وفي كل علاقة: كثيرا ما يقع علينا من السوء والضرر، وانتهاك الحدود والمعايير؛ فقط بقدر ما سمحنا نحن بحدوثه، ولم نكن حازمين في منعه!!
وبالتالي؛ فإن ما فعلتيه أنت من اتخاذ موقف حازم في تلك المرة التي أرادت فيها المبيت، لا بد أن يُعمم على علاقتكم، فاللطف والإحسان لا يتعارض مع فرض الحدود، وحماية نظام عيشكم من انتهاكه عن طريق أخطائها وتعدياتها، والمبيت في بيت الآخرين: إنما يكون حيث تفرضه الظروف، كأن يكون على سفر، أو طرأ ما يوجب ذلك، أو نحوه؛ وأما مبيت، بلا داع يضطر الإنسان إليه، فلا شك في نفور الناس من ذلك، وعدم احتمالهم له.
وعلى ذلك؛ فواصلوا استعمال هذا النهج، واستعملوا حدودا وقواعد تجمع بين لطف التعبير، وصرامة المعنى، ووضوحه، وجديته.
وإذا تكرر هذا النظام، فستكف هي مع الوقت عن أفعالها المؤذية لكم، لأنها ستجد حزمًا وصرامة يمنعانها من انتهاك حدودكم.
ولا حرج في رفضكم لاستقبالها كزائرة، مع حفاظكم على الحد الأدنى من صلة الرحم، طالما أن زيارتها تضر، وتؤذي، وتُدخل الحزن على نفوسكم.
وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع أخرجه البخاري(5891)، ومسلم(2153) واللفظ له.
رابعًا:
لا حرج إن وصل الأمر بعد استنفاد الوسائل المنظمة للعلاقة، إلى أن تقليل العلاقة والتواصل بينكم، إلى الحد الذي يعفيكم من ضررها، وأذاها، ولو أدى ذلك إلى انقطاعها هي عنكم؛ فالرحم التي تضر وتؤذي وتظلم: لا يجب وصلها، ولا يقال لمن قطعها أن عليه إثم قاطع الرحم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه، وفي رواية: اتقاء شره أخرجه البخاري(6032).
ومن اختار الوصل فقد اختار الإحسان والفضل، ولو كان ذلك بأدنى ما يمكن من الوصل، ولو في المناسبات والأعياد، ولو بالتهاني، والسلام.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
"وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية" انتهى من من"التمهيد" (6/127).
والله أعلم