من عادتي أن أتصفح موقعا لبيع العقارات، فأطّلع على عروض مميّزة، وأحيانًا يرسل لي بعض الزملاء السماسرة عروضًا لأراضٍ مميّزة أيضًا، فأسأل عنها صاحبا لي يعمل في السمسرة منذ زمنٍ بعيد فيُخبرني مباشرةً بأصحابها، وأن لديه أرقام هواتفهم، وبما أنه متواصل بشكل مباشر مع الملّاك فإن تعاملي ينحصر معه. سؤالي: إذا أتيت بمشترٍ وتمت الصفقة هل يستحق الموقع أو مَن أرسل لي العرض ابتداءً أن يشاركنا في العمولة، علمًا أن المرسِل أيضًا هناك من أرسلَ له العرض، فربما تظهر لنا سلسلة طويلة من السماسرة، بمعنى: هل الضابط في استحقاق العمولة هو مجرد الدلالة على الأرض؟ أم على مالك الأرض؟ أم هي مقيّدة بمن بذل جهدًا في التوفيق بين البائع والمشتري حتى إمضاء البيع؟
الحمد لله.
أولاً:
العمل في السمسرة جائز، إذا التزم السمسار الضوابط الشرعية في عمله، لأنّ مبناها على الخبرة والأمانة، فكثير من الناس يملكون المال ولا يحسنون المبايعة ولا يعرفون أحوال السوق. فمن تيسير الشريعة أن أباحت السمسرة لما تعود به من نفع على الطرفين.
جاء في المدونة: " في جُعل [أجرة] السمسار. قلت: أرأيت هل يجوز أجر السمسار في قول مالك؟ قال: نعم" انتهى من "المدونة" (3/466).
والعمل في السمسرة له شروط وضوابط شرعية لابد من التزامها، وإلا أصبح العمل والدخل فيها حراماً أو مشبوهاً.
وفي الموقع إجابات وافية حول ذلك استغنينا بها عن الإطالة ينبغي الرجوع إليها.
ثانياً:
إذا اشترك أكثر من شخص أو جهة في السمسرة لشيء واحد، فهي على أحوال:
1-أن يكون بينهم شراكة، أو اشتراط: أنّ ما يحصل لكل واحد من طريق الآخر اشتركوا فيه؛ فهم على شرطهم. أو كان هناك عرفٌ مطرد، معمول به، فإنه يرجع إليه. لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا [المائدة: 1] وقوله صلى الله عليه وسلم: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ أبو داود (3594)، وصححه الألباني في "الإرواء" (1303).
2- أن تكون هناك لوائح منظمة لذلك العمل من الدولة: فهي على ما هو مقرر فيها؛ لأنها بمعنى الشرط.
3- إذا انتفع السمسار الثاني بعمل الأول، فالأصل أن يكون الجعل بينهما. ولا شك أن من باشر عقد الصفقة وإتمامها، والسعي في جمع أطرافها، لا يكون كمن دل مجرد دلالة. فإن كان بينهما شرط بكيفية توزيع الجعل، فعلى ما اشترطاه. وإن لم يكن بينهما شرط: رجعوا إلى العرف السائد بين أهل السوق في مثل ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا كان التاجر الذي يسلم ماله إلى الدلال، قد علم أنه يسلمه إلى غيره من الدلالين، ورضي بذلك: لم يكن بذلك بأس بلا ريب؛ فإن الدلال وكيل التاجر. والوكيل له أن يوكل غيره كالموكل ...
وإذا كان هناك عرف معروف أن الدلال يسلم السلعة إلى من يأتمنه ، كان العرف المعروف كالشرط المشروط، ولهذا ذهب جمهور أئمة المسلمين: كمالك وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم إلى جواز " شركة الأبدان " ، كما قال ابن مسعود: اشتركت أنا وسعد بن أبي وقاص وعمار يوم بدر فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 98).
4-إذا كان هناك أن يكون بين الأفراد اتفاق أو عرف أن تبادل المعلومات فيما بينهم مجاناً، فحينئذ ليس للسمسار الأول الذي أرسل المعلومات أو البيانات شيء من قيمة السمسرة.
5-وأما السلسلة التي يمكن أن تظهر، فلا علاقة لك بها، بل علاقتك بمن أعطاك المعلومة، أو أعانك على البيع إعانة مباشرة، وأما إن كان الذي أعطاك، وشاركك في الجعل، قد استفاد من غيره؛ فهو الذي يتفاهم مع غيره، ويقتسم ما خرج له من ذلك، بحسب ما يتراضيان عليه.
6- وأما بالنسبة للمواقع الإلكترونية، فأنت تستفيد من تسويقها وعرضها للمعلومات: والمعروف أن المواقع التي يتاح تصفحها إتاحة عامة للناس: أنها لا تأخذ شيئا على من ينتفع بما فيها من معلومات علمية، أو تجارية. فإن كان هذا الموقع على ما ذكر، من أنه متاح إتاحة عامة، ولم يشترط دفع اشتراك أو أجرة مقابل ما ينشر فيه من معلومات: فلا يلزمك أن تدفع له شيئا. والمعتاد في مثل ذلك: أن يأخذ الموقع أجرته من صاحب الإعلان الذي نشره فيه.
والله أعلم.