عند نهاية خطبة الجمعة يقوم الإمام بالدعاء، فأكون جالسا جلسة عادية طوال الخطبة، وعندما يأتي وقت الدعاء فإنني أقوم بتعديل جلستي، فتكون جلستي متربعاً منحيا برأسي للأسفل ناظراً محل سجودي احتراما وتعظيما لعبادة الدعاء، فهل في عملي هذا أي بدعة، أو أنني أحدثت أمرا ليس في الدين؟
الحمد لله.
أولاً:
العبادات التي جعلت لها الشريعة حدوداً بمكان أو زمان أو عدد أو هيئة أو صفة أو حال فإن تجاوز تلك الحدود يكون من البدع المحدثة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (كل بدعة ضلالة) رواه مسلم (867).
وأما العبادات التي ترك الشارع للمكلف مجالاً وسعة، ولم تُقيد في مكانها أو زمانها أو عددها أو هيئتها أو صفتها أو حالها. فإن ما يفعله المكلف في تلك المساحة لا يفتقر إلى توقيف ولا يُعد من البدع، ما لم يعرض له عارض للمنع كمشابهة أهل الكتاب في هيئات تعبدهم، أو مشابهة المبتدعة فيما اشتهروا به، أو إيهام أنه سنة متبعة.
ولم ترد هيئة معينة للجلوس حال الاستماع لخطبة الجمعة، كما لم يُنْهَ عن جلسة معينة سوى النهي عن الاحتباء، على خلاف بين أهل العلم في ذلك، لاختلافهم في تصحيح وتضعيف حديث النهي. فعن أنس رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الحبْوَة يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ) رواه الترمذي (1110) وقال هذا حديث حسن.
ثانياً:
الأصل أن الجلوس لجميع الخطبة واسع، كما سبق أعلاه، والمُؤَمِّن على الدعاء له أحكام الداعي، كما في قوله تعالى:(قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). قال أهل العلم : وكان موسى يدعو وهارون يؤمن. فسماهم الله داعيين .
وأمر الدعاء واسع، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صفات وهيئات متعددة في الدعاء، فتارة دعا قائما، وتارة دعا قاعدا، وتارة راكباً، وتارة مضطجعا، وتارة رافعا يديه، وتارة من غير رفع، وتارة مستقبل القبلة، وتارة غير مستقبل القبلة.
وعليه؛ فإن تعديل جلستك حال دعاء الإمام في خطبة الجمعة متربعاً منحيا برأسك للأسفل ناظراً محل سجودك احتراما وتعظيما لعبادة الدعاء: لا يظهر لنا فيه ما هو ممنوع شرعا، ولا ما هو من جنس البدع المحرمة ؛ مادام أنك لا تعتقد كونها سنة مُتبعة، ولا يوهم من حولك بذلك.
وإن كنا نختار لك: ألا تفعل ذلك دائما، ولا تواظب عليه؛ بل مرة ومرة، فتفعل ذلك مرة إن أحببت، وتبقى على حالك مرة أخرى.
قال الشاطبي رحمه الله: " ثم إذا فهمنا التوسعة؛ فلا بد من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون العمل بحيث لا يوهم التخصيص زمانا دون غيره، أو مكانا دون غيره، أو كيفية دون غيرها، أو يوهم انتقال الحكم من الاستحباب ـ مثلا ـ إلى السنة أو الفرض؛ لأنه قد يكون الدوام عليه على كيفية ما في مجامع الناس أو مساجد الجماعات أو نحو ذلك موهما لكونه سنة أو فرضا" انتهى من "الاعتصام للشاطبي" (1/318).
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه:" هل يستحب رفع البصر في الدعاء؟
فأجاب: الدعاء فيه تفصيل: إن كان في الصلاة يطرح بصره، وإن كان في غير الصلاة فالأمر واسع" انتهى من موقع الشيخ ابن باز.
ثالثاً:
مع بيان جواز ما تفعله حال دعاء الإمام بالجملة، فإنّ الأفضل أن تستقبل الخطيب بوجهك ونظرك طوال الخطبة، سواء في الدعاء أو غيره، فهذا هو الهدي الذي كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم، كما دلت عليه الأدلة.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا) رواه الترمذي (509) وصححه الألباني، وقال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يستحبون استقبال الإمام إذا خطب، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
والله أعلم.