الحمد لله.
عدّاس مولى شيبة بن ربيعة، لم يرد نص صحيح يدل على إسلامه، وإن ذُكِر اسمه في بعض المصنفات الجامعة لأسماء الصحابة، فهذا لا يدل على ثبوت صحبته؛ لأن منهج مصنفيها قائم على ذكر كل من وردت رواية تشير إلى صحبته، من غير تنقية صحيح هذه الروايات من ضعيفها.
ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه" الإصابة في تمييز الصحابة":
" وقد كثر سؤال جماعة من الإخوان في تبييضه، فاستخرت اللَّه تعالى في ذلك، ورتبته على أربعة أقسام في كل حرف منه:
فالقسم الأول: فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه، أو عن غيره، سواء كانت الطريق صحيحة، أو حسنة، أو ضعيفة، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان" انتهى من "الإصابة في تمييز الصحابة" (1/155).
وذكر في القسم الأول من حرف العين عدّاس، ثم ساق في ترجمته جملة من الروايات حول لقائه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها تصريح بإسلامه، كقوله:
" عدّاس، مولى شيبة بن ربيعة:
كان نصرانيا من أهل نينوى: قرية قرى الموصل، ولقي النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بالطائف، في قصّة ذكرها ابن إسحاق في "السيرة"، وفيها أنّ شيبة وعتبة كانا بالطائف، فشاهدا ما ردّ أهل الطائف على النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم لما دعاهم إلى الإسلام، فقالا لعدّاس: خذ هذا القِطْف [من] العنب، فضعه بين يدي ذلك الرجل، ففعل، فلما وضع يده فيه قال: ( باسم اللَّه )، فتعجّب عدّاس، وقال له: هذا الكلام ما يقوله أحد من أهل هذه البلاد! فذكر له أنه رسول اللَّه، فعرف صفته، فانكب عليه يقبّله. فلما رجع عداس قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفك عن دينك.
وذكر سليمان التّيميّ في "السيرة" له أنه قال للنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم: أشهد أنك عبد اللَّه ورسوله … " انتهى من "الإصابة في تمييز الصحابة" (4/117).
وأصل قصة عداس ليست ثابتة بإسناد صحيح متصل، بل هي من الروايات المرسلة، غير متصلة السند. كما بيّن هذا الدكتور أكرم ضياء العمري في "السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية"، حيث قال:
"وأما دعاؤه على ثقيف بقوله (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي … إلخ)، ولقاؤه بعداس: فلم يثبت من طريق صحيحة " انتهى.
ثم قال في الهامش:
" أخرجه ابن إسحاق بسند صحيح، لكنه مرسل محمد بن كعب القرظي، والمرسل من أنواع الضعيف لا يحتج به إلا مع قرائن.
والحديث (اللهم إليك أشكو) ساقه بدون إسناد، وكذلك قصة عداس: ساقها بدون إسناد.
أسانيد قصة عداس:
البيهقي: عن الزهري (مرسلا)، وعن موسى بن عقبة (مرسلا)، وعن محمد بن إسحق (مرسلا).
وهذه المراسيل لا تقوى ببعضها؛ إذ الظاهر أن مخرجها واحد، لأن ابن إسحاق وموسى بن عقبة تلميذان للزهري ، وأخرج الزهري وموسى بن عقبة قصة عداس مرسلاً (الخصائص الكبرى للسيوطي 1/300).
والمراسيل إنما تتقوى ببعضها إذا تعددت مخارجها، ولا تعدد هنا؛ فابن إسحاق وموسى بن عتبة تلميذان للزهري، فيقوي أن يكونا أخذا عنه " انتهى من "السيرة النبوية الصحيحة" (1/186).
ومع كون قصة "عداس" مرسلة، لم ترو بإسناد متصل؛ فقد خفي أمره بعد ذلك في أحداث السيرة، فلم يرد له ذكر، إلا في خبر للواقدي، كما في "المغازي" (1 / 34)، قال: " حَدّثَنِي محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: سَمِعْت حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَقُولُ: ( مَا وَجّهْت وَجْهًا قَطّ كَانَ أَكْرَهَ لِي مِنْ مَسِيرِي إلَى بَدْرٍ، وَلَا بَانَ لِي فِي وَجْهٍ قَطّ مَا بَانَ لِي قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ...
فَكَانَ حَكِيمٌ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتنَا حِينَ بَلَغْنَا الثّنِيّةَ الْبَيْضَاءَ- وَالثّنِيّةُ الْبَيْضَاءُ الّتِي تُهْبِطُكَ عَلَى فَخّ وَأَنْتَ مُقْبِلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ- إذَا عَدّاسٌ جَالِسٌ عَلَيْهَا وَالنّاسُ يَمُرّونَ، إذْ مَرّ عَلَيْهِ ابْنَا رَبِيعَةَ، فَوَثَبَ إلَيْهِمَا فَأَخَذَ بِأَرْجُلِهِمَا فِي غَرْزِهِمَا، وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمّي أَنْتُمَا، وَاَللهِ إنّهُ رَسُولُ اللهِ، وَمَا تُسَاقَانِ إلّا إلَى مَصَارِعِكُمَا! وَإِنّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلُ دُمُوعُهُمَا عَلَى خَدّيْهِ، فَأَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ أَيْضًا، ثُمّ مَضَيْت، وَمَرّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ حِينَ وَلّى عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيك؟ فَقَالَ: يُبْكِينِي سَيّدَايَ وَسَيّدَا أَهْلِ الْوَادِي، يَخْرُجَانِ إلَى مَصَارِعِهِمَا، وَيُقَاتِلَانِ رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ الْعَاص:
وَإِنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: فَانْتَفَضَ عَدّاسٌ انْتِفَاضَةً، وَاقْشَعَرّ جِلْدُهُ، ثُمّ بَكَى وَقَالَ: إي وَاَللهِ، إنّهُ لَرَسُولُ اللهِ إلَى النّاسِ كَافّةً. قَالَ: فَأَسْلَمَ الْعَاص بْنُ مُنَبّهٍ، ثُمّ مَضَى وَهُوَ عَلَى الشّكّ حَتّى قُتِلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى شَكّ وَارْتِيَابٍ).
وَيُقَالُ: رَجَعَ عَدّاسٌ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَيُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ- وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا " انتهى.
فهذا خبر تفرد بذكره الواقدي، وهو متروك الرواية، وإن كان إماما في السير إلا أنه ليس بحجّة.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" جمع فأوعى وخلط الغث بالسمين ، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك ، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي ، وأيام الصحابة وأخبارهم...
وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يُحتاج إليه في الغزوات ، والتاريخ ، ونورد آثاره من غير احتجاج...
لا عبرة بتوثيق من وثقه، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي رحمه الله" انتهى من "سير اعلام النبلاء" (9/454 – 469).
فالحاصل؛ أن قصة إسلام عداس لم ترد بإسناد صحيح.
والله أعلم.