ما حكم أكل الخُشاف؟ وهو عبارة عن خليط من الفواكه المجففة (تين و مشمش و برقوق و تمر) ننقعها في الماء البارد أو المغلي لعدة ساعات إلى أن تلين، ثم نأكلها عند الإفطار في شهر رمضان. ملحوظة: لا تتم إضافة الزبيب إلى الخليط المذكور، فقط الفواكه المجففة التي ذكرتها في السؤال.
الحمد لله.
الخشاف: عبارة عن فواكه وأطعمة مباحة منقوعة، فإن اجتمع فيها التمر والزبيب أو البسر والرطب أو صنفان مما يصنع منهما الخمر، فيكره عند جماهير أهل العلم، وذلك أنّ جمع تلك المواد يسرع في تخمرها، فربما دخلها الإسكار ولم يشعر به الإنسان.
فإذا ظهر في هذا الخليط علامات الإسكار، أو غلب ذلك على الظن: حرم تناوله.
فعن جابر رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا. وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ والبسر جميعا) مسلم (1986). وحديث أبى سعيد رضي الله عنه أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَهَى عَنِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا، وَعَنِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا) مسلم (1987).
قال النووي رحمه الله معلقاً على هذه الأحاديث: "هذه الأحاديث في النهي عن انتباذ الخليطين وشربهما، وهما تمر وزبيب، أو تمر ورطب، أو تمر وبسر، أو رطب وبسر، أو زهو وواحد من هذه المذكورات، ونحو ذلك.
قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: سبب الكراهة فيه أنّ الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط، قبل أن يتغير طعمه، فيظن الشارب أنّه ليس مسكرا، ويكون مسكرا.
ومذهبنا ومذهب الجمهور: أن هذا النهى لكراهة التنزيه، ولا يحرم ذلك مالم يصر مسكرا، وبهذا قال جماهير العلماء" انتهى من "شرح النووي على مسلم" (13/ 154).
فالعلة في النهي عن الخلط خشية حصول الإسكار دون إدراك من المرء.
وقال الشيخ ابن عثيمين معلقاً على الأحاديث المذكورة: " فإن خُلط، ولم يَصِل إلى حد الإسكار، وشَرِبَه قبل أن يَغْلي: فهو حلال؛ لأنَّ النهي عن الخلط خوفًا من أن يصل إلى حد الإسكار من حيث لا يشعر الإنسان" انتهى من " التعليق على صحيح مسلم (10/158).
وعليه؛ فإن الخشاف إذا أُمن فيه جانب التخمر، ووضع في أجهز التبريد قبل تخمره، زالت علة النهي، لأن النهي إنما هو عن انتباذ أصناف معينة خشية أن يسرع إليها التخمر.
وقد صرح غير واحد من أهل العلم بأن محل الكراهة في مثل هذا الخلط: هو أن يخشى حصول الإسكار فيه؛ فإذا أمن ذلك: لم يكره، وإذا غلب على الظن حصوله: حرم.
قال الدردير في شرحه الصغير:
"وكره شراب خليطين: أي شُربُ شرابِ مخلوطين، كزبيب وتمر، أو تين أو مشمش أو نحو ذلك، وسواء خلطا عند الانتباذ، أو عند الشرب.
ومنه ما تقدم من السوبيا والفقاع والمريسة، ومنه ما يعمل للمرضى، وما يعمل في القاهرة في رمضان يسمونه الخشاف.
لكن: لا مطلقاً؛ بل إن أمكن الإسكار، بأن طال زمن النبذ كاليوم والليلة، فأعلى.
لا إن قرُب الزمن: فمباح.
ولا إن دخله الإسكار، ولو ظناً: فحرام نجس.". "الشرح الصغير" (1/324).
وينظر حاشية الصاوي عليه.
ومما يعين على تأخر الإسكار: تبريد هذا الخليط بوضعه في الثلاجات ونحو ذلك، فهذا مما يضعف احتمال الإسكار فيه، لا سيما مع قصر المدة التي يترك فيها هذا الخليط.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: " س1: هل ما يفعل في رمضان من ما يسمى الخشاف يدخل في حكم النهي عن نبذ شيئين معا، مع أن الفترة المستغرقة لذلك لا تتعدى أن تلين هذه المجففات من التمر والمشمش وخلافه للماء؟".
فأجابت:
" لا حرج فيما ذكرت، ولا يدخل فيما نهي عنه ما لم يصل بتغيره إلى درجة الإسكار.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز".
"فتاوى اللجنة" (22/121).
والله أعلم.