الحمد لله.
أولاً :
مثل هذا الإشكال الحاصل بين المؤجر والمستأجر سببه هو عدم الالتزام بشرع الله تعالى عند توقيع العقد وإنشائه ، ومما يخالف فيه الأكثرون ويسبب لهم متاعب ومشاكل هو عدم تحديد مدة لعقد الإيجار ؛ إذ إن في تحديد المدة قطعاً للنزاع وحفظاً لحقوق كلٍّ من الطرفين ، فيلتزم المؤجر بإبقاء المستأجر في العقار ، ويلتزم المستأجر بدفع الأجرة لصاحب العقار طيلة المدة ، ويُلزم بإنفاذ العقد ودفع الأجرة حتى لو لم يستعمله .
قال ابن قدامة :
ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار , قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم , على أن استئجار المنازل والدواب جائز .
ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة , ولا بد من مشاهدته وتحديده , فإنه لا يصير معلوما إلا بذلك , ولا يجوز إطلاقه , ولا وصفه . وبهذا قال الشافعي . " المغني " ( 5 / 260 ) .
والصحيح أن المدة لا تتعين في فترة محدودة ، بل يمكن أن تستمر أشهراً أو عشرات السنين مادام ذلك برضاً من الطرفين .
قال ابن قدامة :
الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة . ولا خلاف في هذا نعلمه , لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه , المعرِّفة له , فوجب أن تكون معلومة , كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل . " المغني " ( 5 / 251 ) .
وقال :
ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة , بل تجوز إجارة العين المدة التي تبقى فيها وإن كثرت . وهذا قول كافة أهل العلم . ....لقول الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام , أنه قال : على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك , وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل . " المغني " ( 5 / 253 ) .
ثانياً :
وأما بالنسبة لموت المستأجر أو المؤجر قبل انتهاء المدة : فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن العقد لا ينفسخ بموت واحد منهما ، وخالف فيه الحنفية وبعض التابعين فقالوا : إن العقد ينفسخ إلا برضا ورثة المؤجر ، وأن لهم المطالبة بإخلاء العقار المؤجَّر .
والصحيح هو قول الجمهور فالإيجار عقد لازم للطرفين خلال المدة .
وفي كتاب " الإجارة " من صحيح البخاري : قال البخاري - رحمه الله – مبوِّباً :
باب إذا استأجر أرضاً فمات أحدهما ، وقال ابن سيرين : ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل ، وقال الحكم والحسن وإياس بن معاوية : تمضى الإجارة إلى أجلها ، وقال ابن عمر : أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعدما قبض النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى
قال الحافظ ابن حجر :
قوله : " باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما " أي : هل تفسخ الإجارة أم لا ؟ والجمهور : على عدم الفسخ ، وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ , ....وقد اتفقوا على أن الإجارة لا تنفسخ بموت ناظر الوقف فكذلك هنا .
قوله : " وقال ابن سيرين : ليس لأهله " أي : أهل الميت .
" أن يخرجوه " أي : يخرجوا المستأجر ...
والغرض منه هنا الاستدلال على عدم فسخ الإجارة بموت أحد المتآجرين , وهو ظاهر في ذلك , وقد أشار إليه بقوله " ولم يذكر أن أبا بكر جدد الإجارة بعد النبي صلى الله عليه وسلم "
" فتح الباري " ( 4 / 463 ) .
ثالثاً :
وأما بالنسبة لما تصنعه مع المستأجرين الذين يرفضون الخروج ، فنوصيك بما يلي :
1. أن تبيِّن لهم عدم شرعية العقد بينكما بسبب عدم تحديد مدة العقد ، وقد سبق أن تحديد مدة الإجارة واجب من غير خلاف بين العلماء .
2. أن تعطيهم فرصة مناسبة ليخرجوا من العقار ، ويكون تحديد هذه المدة بمثابة تصحيح الخطأ السابق ويكون عقداً جديداً بمدة محددة .
3. أن تبيِّن لهم حال رفضهم الخروج أنهم بذلك مغتصبون آثمون ، وتبين لهم عاقبة الظلم وحكم المغتصبين .
4. أن توسط بعض العقلاء ممن يستطيعون التفاهم معهم ، أو ممن لهم عليهم كلمة من أقربائهم أو معارفهم . ولك أن تتفق معهم على دفع مال إليهم حتى يخرجوا من الشقة ، وهذا المال حرام عليهم يأكلون سحتاً ، أما بالنسبة لك فإذا لم يستطع المظلوم أخذ حقّه إلا بدفع مال للظالم جاز له ذلك .
راجع السؤال رقم ( 40272 )
5. فإن لم ينفع ذلك – أيضاً - : فأنت بين ثلاث خيارات : إما أن تدعوَ عليهم - ودعوة المظلوم مستجابة - وإما أن تعفو عنهم ، أو تترك أمرهم إلى الله ليأخذ لك حقك منهم .
والله أعلم .