الحمد لله.
ورد النهي عن قطع شجر السدر في أحاديث فيها كلام من حيث إسنادها ، وصححها بعض أهل العلم ، والصحيح في النهي – بعد ثبوته - أنه خاص بأمرين : قطع الشجر الذي يتخذ للظل ، أو قطع شجر السدر في حدود الحرم ، وأما ما عداهما مما يزرعه الإنسان في بيته أو بستانه فلا حرج عليه من قطعه .
قال ابن القيم – تحت فصل " كليات في الموضوعات " - :
ومن هذا : أحاديث مدح العزوبة ، كلها باطلة ، ومن ذلك : أحاديث النهي عن قطع السدر ، قال العقيلي : لا يصح في قطع السدر شيء ، وقال أحمد : ليس فيه حديث صحيح .
" المنار المنيف " ( ص 117 ، 118 ) .
لكن الشيخ الألباني حسَّن بعض أحاديث النهي ، ومنها :
أ. عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رءوسهم صبّاً " .
رواه البيهقي ( 6 / 140 ) .
وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1696 ) .
ب. عن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار " . رواه البيهقي ( 6 / 141 ) .
وحسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 615 ) .
وقال – تحت الحديث السابق - :
تأوله أبو داود بقوله " هذا الحديث مختصر ، يعني : " من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها : صوب الله رأسه في النار " .
وذهب الطحاوي إلى أنه منسوخ ، واحتج بأن عروة بن الزبير – وهو أحد رواة الحديث – قد ورد عنه أنه قطع السدر ...
قلت : وأولى من ذلك كله عندي أن الحديث محمول على قطع سدر الحرم ، كما أفادته زيادة الطبراني في حديث عبد الله بن حبشي – والزيادة هي " يعني : من سدر الحرم " - ، وبذلك يزول الإشكال ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
ثم رأيت السيوطي قد سبقني إلى هذا الحمل في رسالته " رفع الحذر عن قطع السدر " ( ص 212 ج 2 " الحاوي للفتاوي " ) ، فليراجعها من شاء ؛ فإنه سيجد فيها للحديث طرقاً أخرى ، وإن كان لم يحرر القول فيها كما هي عادته غالباً . انتهى
والخلاصة : أن أحاديث النهي عن قطع السدر إما أحاديث ضعيفة لا تصحُّ ، وإما أنها حسنة ، وتحمل على أحد معنيين :
الأول : قطع السدر الذي يستظل به الناس عبثاً من غير حاجة ولا مصلحة .
الثاني : قطع شجر السدر الذي يكون في الحرم ، وعلى هذا لا حرج عليك في قطع هذه الشجرة التي زرعتها ما لم تكن زرعتها في طريق ليستظل بها الناس .
والله أعلم .