الحمد لله.
إن بذل النصيحة لعباد الله هو من أعظم شعب الإيمان وشعائر الإسلام حتى إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعلها هي الدين تعظيماً لشأنها ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ..) رواه مسلم (55) ، وأخبر الله تعالى أن من قام بذلك هو المفلح حقاً ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران/104 و ما دمت قد أديت ما عليك من واجب النصيحة ، وكان مقصدك هو الإصلاح ، فلا تحزني لما أصابك من البلاء ، فالجنة سلعة الله وسلعة الله غالية قد حفّت بالمكاره ، ولكل شيء ثمن .
واعملي أن كل من قام بهذا الواجب العظيم لا بد أن يواجهه الناس بما يكره من الأذى ، أو الصدود ، ولأجل ذلك قال لقمان الحكيم لابنه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) لقمان/17 ثم اعلمي أن العاقبة للمتقين ، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين ، وهو سبحانه مع الصابرين . فالجئي إليه ، واعتصمي به ، وقولي : حسبي الله ونعم الوكيل ، قال الله تعالى: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) آل عمران/174، 175
فمهما كاد لك الخصم ودبّر ، فإن كيده السيء راجع عليه ، ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ ) فاطر/43 ، فأبشري بنصر الله وتأييده ، وأكثري من الدعاء والاستغفار ، واعلمي أن دعوة المظلوم لا ترد ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم ) رواه أبو داود (1536) والترمذي (1905) وابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
لكننا نصحك أن تتركي هذا العمل وتريحي نفسك مما فيه من المنكر والأذى ، وانتقلي إلى مكان آخر ، لعل الله أن يبدلك خيراً منهم ، ويولِّي عليك أميناً رفيقاً .
فإن لم يمكنك الانتقال عن هذا المكان ، فاجتهدي في الحصول على إجازة مدة ما حتى تهدأ الأمور ، ولعل الله أن يهيئ لك من أمرك رشداً .
وإن أمكنك الاستغناء عن ذلك العمل من أصله ، وتوفير جهدك وقلبك وأعصابك لبيتك وأولادك ، فهو الرأي حق الرأي ، والله يأجرك على ذلك بمنّه وكرمه ، ويخلف لك خيراً عميماً من عنده .
نسأل الله أن يفرج كربك ويذهب همك ويكفيك شر كل ذي شر.
والله أعلم .