قلت يوم الجمعة الساعة ٧:٢٠ عصرا قبل دخول المغرب وكنت صائما : يحرم علي أن آكل طعاما إلا الماء ثلاثة أيام فمتى تنتهي الثلاثة أيام حتى أعود للأكل بدخول فجر الإثنين أم عند الساعة ٧:٢٠ عصر الإثنين
الحمد لله.
لا يجوز للإنسان ان يحرم ما أحل الله له، ومن فعل ذلك فليأكل ما حرمه على نفسه، وليكفر كفار يمين. فقد جعل الله هذا التحريم بمثابة اليمين.
قال الله تعالى يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم: 1-2] فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لما ذكر الله تعالى كفارة اليمين بعد أن أمر بالأكل من الطيبات بل بعد أن نهى عن تحريم ما أحل الله فقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) إلى آخره فدل هذا على أن تحريم الطيبات حكمه حكم اليمين" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19/ 2).
وقد ثبت عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه أَنَّهُ جِيءَ عِنْده بِطَعَامٍ فَتَنَحَّى رَجُل، فَقَالَ: إِنِّي حَرَّمْته أَنْ لَا آكُلَهُ فَقَالَ: إِذَنْ فَكُلْ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينك، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) انتهى من "فتح الباري" (19/57).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "إذا قال: هذا حرام علي إن فعلت، وفعل، أو قال: ما أحل الله علي حرام إن فعلت، ثم فعل، فهو مخير، إن شاء ترك ما حرمه على نفسه، وإن شاء كَفَّر. وإن قال: هذا الطعام حرام علي، فهو كالحلف على تركه " انتهى من "المغني"(11/202).
وروى ابن أبي شيبة (5 / 73-74) عَنْ عُمَرَ وابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة وَعَنِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ ومَكْحُولٍ أنهم قالوا: " الْحَرَامُ يَمِينٌ ".
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :" من حرم على نفسه شيئا مباحا سوى زوجته، كالطعام والشراب واللباس، كما لو قال : ما أحل الله علي حرام ، أو قال هذا الطعام حرام علي ، فإنه لا يحرم عليه ، فله تناوله ويكون عليه كفارة يمين ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) إلى قوله تعالى : ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) أي : التكفير عن تحريم الحلال " انتهى .
ثانياً:
إذا كان تحريمك للطعام ثلاثة أيام لغرض صحي بإرشاد من طبيب، وأردت أن تلتزمه، فإن التحديد بثلاثة أيام يرجع إلى نيتك.
فإن نويت الأيام الشرعية النهارية، فيكون انتهاء اليمين بدخول وقت المغرب يوم الاثنين.
وإن نويت اليوم العرفي (24 ساعة)، فإن الوقت ينتهي عند الساعة ٧:٢٠ عصر الإثنين.
قال الحافظ ابن حجر: "الْيَمِين مِنْ جُمْلَة الْأَعْمَال، فَيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى تَخْصِيص الْأَلْفَاظ بِالنِّيَّةِ زَمَانًا وَمَكَانًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ" انتهى من" فتح الباري (11/572).
وقال ابن القيم رحمه الله : " النية تؤثر في اليمين تخصيصًا وتعميمًا وإطلاقًا وتقييدًا ، والسبب يقوم مقامها عند عدمها ويدل عليها فيؤثر ما تؤثره، وهذا هو الذي يتعين الإفتاء به، ولا يُحمل الناس على ما يُقطَع أنهم لم يريدوه بأيمانهم، فكيف إذا عُلم قطعًا أنهم أرادوا خلافه" انتهى من "أعلام الموقعين (4/565).
والله أعلم