الحمد لله.
أولا:
الذي فهم من سؤالك، أنك تشارك بالمال، ويشارك صاحب المطعم بمطعمه، وتقتسمان الإيجار، فيحتمل أنكما ستؤجران المطعم لغيركما، ومالك حينئذ سيوضع في تجهيزات المطعم مثلا.
ويحتمل أن مرادك بالإيجار: الربح، ومالُك سيوضع حينئذ في التجهيزات أو في شراء الخامات ونحوها، وأنكما ستديران المطعم، ولن تؤجراه لغيركما.
وعلى كل من هذين الاحتمالاين، فهي شركة جائزة؛ تشتركان في ربحها، أو إيجارها، بحسب ما تتفقان من نسبة، وأما الخسارة فإنها يجب أن تكون على قدر المال.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/23): " (والربح على ما اصطلحا عليه) يعني في جميع أقسام الشركة".
وقال في (5/27): " الخسران في الشركة: على كل واحد منهما بقدر ماله، فإن كان مالهما متساويا في القدر، فالخسران بينهما نصفين، وإن كان أثلاثا، فالوضيعة [أي: الخسارة] أثلاثا. لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم " انتهى.
ثانيا:
الشركة بالعروض جائزة في مذهب المالكية، وبعض الحنابلة، وهو مذهب الشافعية فيما لو كانت العروض من المثليات.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/48): " والعروض كلها - وهي ما عدا النقدين من الأعيان - لا تصلح رأس مال شركة، ولا حصةً فيه لشريك، ولو كانت مكيلا أو موزونا أو عدديا متقاربا، في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، ومعه أبو يوسف، وبعض الحنابلة.
وذهب محمد وجماهير الشافعية إلى التفرقة بين نوعين من العروض:
النوع الأول: المكيل والموزون والعددي المتقارب.
والثاني: سائر العروض.
وبعبارة أخرى: فرقوا بين المثلي، والمتقوم: فمنعوا انعقاد الشركة في النوع الثاني بإطلاق، وأجازوها في النوع الأول، بعد الخلط مع اتحاد الجنس...
وذهب أكثر الحنابلة وبعض الشافعية إلى اشتراط أن يكون رأس المال من النقد المضروب، بأية سكة.
وأما المالكية: فتصح الشركة عندهم إذا أخرج كل واحد من الشركاء ذهبا أو فضة. كما تصح إذا أخرج أحدهما ذهبا وفضة، وأخرج الثاني مثل ذلك. وتصح أيضا عندهم بعين من جانب وعرض من الآخر، أو بعرض من كل منهما، سواء اتفقا في الجنس أو اختلفا.
وذهب ابن أبي ليلى إلى تصحيح الشركة بالعروض مطلقا، ويُعتمد في القسمة قيمتها عند العقد. وهي رواية عن أحمد، اعتمدها من أصحابه أبو بكر وأبو الخطاب، إذ ليس في تصحيحها بالعروض على هذا النحو إخلال بمقصود الشركة - فليس مقصودها إلا جواز تصرف الشريكين في المالين، ثم اقتسام الربح، وهذا كما يكون بالأثمان، يكون بغيرها. واستأنسوا لذلك باعتبار قيمة عروض التجارة عند تقدير نصاب زكاتها" انتهى مختصرا.
ويلزم تقويم العروض عند بدء الشركة، لمعرفة رأس مال صاحبك، للاحتياج إلى ذلك لمعرفة نصيب كل منكما في الشركة، ونسبته في الربح والخسارة.
فلو شاركت بمائة ألف مثلا، وشارك هو بعروض، قيمتها مائة ألف، فإن الخسارة تكون مناصفة، وأما الربح بحسب ما تتفقان، والربح ما زاد على رأس.
ثالثا:
إذا أعطيت المال لصاحبك فسدد به ديونا عليه، فإنه لا يحسب من الاستثمار؛ لأنه لم يدخل فيه، وإنما هو قرض منك لصاحبك، فلا تستحق عليه ربحا، واشتراط ربح عليه: ربا محرم.
ويخشى أن يكون هذا هو حقيقة المعاملة، أن يأخذ مالك، ويعطيك عليه زيادة، ولا وجود لشركة أصلا، بل هو قرض، كما سيأتي.
رابعا:
إذا وضع مالك في الشركة، ودخل في الاستثمار الحقيقي، بأن وضع في تجهيزات المطعم الذي سيؤجر للغير، أو وضع في شراء الطعام والخامات في حال إدارتكما للمطعم، فعند فض الشركة: العروض إما أن تباع لأجنبي- - وهذا ما يسمى بالتنضيض الحقيقي، أي تحويل البضاعة إلى نقد-، ويضاف ثمنها إلى السيولة النقدية الموجودة، ويأخذ كل منكما رأس ماله، وما زاد على ذلك فهو ربح يقتسم بينكما.
وإما أن تقوّم العروض، -وهذا هو التنضيض الحكمي-، وتضاف قيمتها إلى السيولة الخ، ويأخذ العروضَ أحدُكما بالتراضي.
فإن أراده كل واحد منكما، فالسبيل هو القرعة، فيشتريه من وقعت عليه القرعة.
جاء في "المعايير الشرعية" ص 199: "تنتهي الشركة بانتهاء مدتها، أو قبل ذلك باتفاق الشركاء، أو بالتنضيض الحقيقي للموجودات في حال المشاركة بصفقة معينة، كما تنتهي الشركة بالتنضيض الحكمي، ويعتبر كما لو أن الشركة القائمة قد انتهت، وبُدئ بشركة جديدة، حيث إن الموجودات التي لم يتم بيعها بالتنضيض الحقيقي، وتم تقويمها بالتنضيض الحكمي، تكون قيمتها هي رأس مال للشركة الجديدة. وإذا كانت التصفية بانتهاء المدة، فإنه يتم بيع بقية البضاعة الموجودة بالسعر المتاح في السوق.
وتستخدم حصيلة تصفية الشركة على النحو الآتي:
(أ) ... دفع تكاليف التصفية.
(ب) ... أداء الالتزامات المالية من إجمالي موجودات الشركة.
(ج) ... تقسيم باقي الموجودات بين الشركاء، بنسبة حصة كل منهم في رأس المال، وإذا لم تكف الموجودات لاسترداد رأس المال، فإنها تقسم بينهم بالنسبة والتناسب (قسمة غرماء) " انتهى.
وبهذا يُعلم أن الشركة بالعروض تعني أن تصبح العروض ملكا للشركاء جميعا، ولهذا عند الفض قد يريدها كل واحد منهما، فليست القضية كما يظن بعض الناس أن العروض تبقى ملكا لصاحبها، وأن المشارك بالمال يربح مدَّةَ الشركةِ، ثم يأخذ ماله.
وإذا كان صاحب المطعم يأخذ مالك لسداد ديونه، مقابل أن يشركك معه في أجرة المطعم، فهذا عين الربا، وهو قرض، لا علاقة له بالشركة، فالحذر الحذر.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/241): " وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضةً من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة" انتهى.
وهنا مخرج شرعي: أن يبيع لك جزءا من المطعم، فتكون شريكا له في المِلك، وتشتركان في أخذ الأجرة، على قدر حصتيكما، وحينئذ يحل له التصرف في المال الذي أخذه منك؛ لأنه يملكه مقابل بيع حصة من المحل لك.
والله أعلم.