الحمد لله.
لم يرد حديث بهذا اللفظ، لا بإسناد صحيح ولا بإسناد ضعيف.
لكن الأخبار غير الثابتة أحيانا يكون معناها صحيحا، لوجود ما يدل على صحتها.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" والحديث الضّعيف لا يُدْفَع وإن لم يُحْتَجَّ به، وَرُبَّ حديث ضعيف الإسناد صحيح المعنى" انتهى من "التمهيد" (1/58).
وهذه المقولة، وإن لم تكن حديثا أصلا، لا صحيحا، ولا ضعيفا؛ إلا أن هذا المعنى صحيح مقرر.
فالمسلم قد أمر أن يجمع في قلبه الرجاء في رحمة الله تعالى، والخوف من عقابه.
كما في قول الله تعالى: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف /55 – 56.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها، لا دعاء عبد مُدِلٍّ على ربه، قد أعجبته نفسه، ونزَّل نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاهٍ" انتهى من "تفسير السعدي" (ص 292).
وقد جاء النهي والتحذير من اليأس والقنوط من رحمه الله تعالى، كما في قوله تعالى: ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر (53).
وقال الله تعالى: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56.
كما ورد التحذير من الاغترار، والأمر بالحذر والخوف.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: ( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ ) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/171)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5/79).
وروى الإمام أحمد في "المسند" (37/467) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ).
وصحح اسناده محققو المسند، وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو عند أحمد ثلاثي. وقال الهيثمي (10/190):
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، غير عبد الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة " انتهى من "السلسلة الصحيحة" (1/ 744 - 745).
والخلاصة:
هذا الخبر لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن معناه العام أن المسلم عليه أن يجمع في قلبه بين الخوف من العقوبة والرجاء في رحمة الله تعالى ومغفرته، وهذا معنى صحيح دلت عليه نصوص الوحي.
والله أعلم.