الحمد لله.
أولا:
يجوز بيع سلع موصوفة وصفا يزيل الجهالة، عن طريق الموقع الإلكتروني، واستلام البائع الثمن قبل إيصال السلعة للمشتري.
وهل يشترط أن يقبض البائع السلعة قبل شحنها للزبون، أم يجوز أن يوكل المصنع أو المتجر الأكبر بإيصالها للزبون؟
في ذلك تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (259320)، ورقم: (382733).
ثانيا:
إذا تأخر المشتري في استلام سلعته، فعادت إلى البائع، لزم المشتري دفع رسوم الشحن إن أراد سلعته.
وإذا ترك المشتري سلعته، فينبغي أن يراسل، فإن لم يستجب، فللبائع أن يبيع السلعة، ويعيد إلى المشتري الثمن الذي دفعه، من خلال نفس الحساب الذي حول منه الثمن، إن كان قد حولها من حساب شخصي، يمكن البائع أن يودع فيه، ويعلم أن الثمن وصل إلى صاحبه.
فإن لم يمكن ذلك، كان عليه أن يبحث عن طريق آخر، يرد به ثمن السلعة المستردة إلى المشتري.
فإن لم يقدر على ذلك، وأيس من الوصول إلى المشتري، فالسلعة في يده، فينبغي أن يستأني بها مدة ما ينتظر باللقطة، كالسنة ونحوها، إن أمكن ذلك، ولم تكن السلعة مما يفسد، أو مما يتعذر عليه حفظها هذه المدة، ونحوها.
فإن أيس بعد ذلك من الوصول إلى صاحبها، فإنه يبيعها، ويتصدق بثمنها؛ على أنه متى ظهر المشتري، فإن له أن يطلب الثمن الذي دفعه، إلا أن يرضى بإمضاء الصدقة عنه.
فإن لم تكن مستعدا لضمان الثمن الذي تصدقت به، ولم يمكنك حفظ السلعة المردودة، فإنك تبيعها، وتحتفظ بثمنها عندك، أو تقيده دينا عليك، إلى أن يظهر صاحبه، أو ينقطع الرجاء في العثور عليه، بالكلية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المال إذا تعذر معرفة مالكه: صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء كمالك وأحمد وغيرهما.
فإذا كان بيد الإنسان غصوب أو عوار أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها: فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين المصالح الشرعية.
ومن الفقهاء من يقول: توقف أبدا حتى يتبين أصحابها؟
والصواب الأول؛ فإن حبس المال دائما لمن لا يرجى لا فائدة فيه؛ بل هو تعرض لهلاك المال واستيلاء الظلمة عليه.
وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية، فدخل بيته ليأتي بالثمن، فخرج فلم يجد البائع، فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن ويقول: اللهم عن رب الجارية، فإن قبل فذاك، وإن لم يقبل فهو لي، وعلي له مثله يوم القيامة.
وكذلك أفتى بعض التابعين من غَلَّ من الغنيمة، وتاب بعد تفرقهم أن يتصدق بذلك عنهم. ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم، كمعاوية وغيره من أهل الشام" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/321).
وفيما يتعلق بشرط ضمان الثمن لصاحبه، متى ما ظهر، قال في "مطالب أولي النهى"، بعد نقله كلام شيخ الإسلام السابق : "( بشرط ضمانها ) لأربابها إذا عرفهم؛ لأن الصدقة بدون الضمان إضاعة لمال المالك " انتهى من "مطالب أولي النهى" (4/65).
وينبغي أن يضع البائع شرطا صريحا في التعاقد يحدد فيه مدة معينة كشهر أو شهرين للتخلص من السلعة في حال تراخي الزبون عن أخذها، فإذا مضت المدة، تصدق بها أو بثمنها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " مغسلة ملابس، فيها ملابس مضى عليها أكثر من شهرين ولا يعرف أصحابها، مع أنه من ضمن الشروط في الفاتورة أن المغسلة غير مسئولة عن الملابس التي يتركها أصحابها أكثر من شهرين، هل لصاحب المغسلة أخذها، إما للاستعمال أو البيع أو التصدق بها؟ وإذا أخذها ثم طالب بها صاحبها بعد أن تصرف بها : فهل يلزم رد ثمنها أم لا ؟
فأجاب : إذا كان مشروطاً على صاحب الثياب أنه إذا تأخر لمدة شهرين فلا حق له؛ فهو الذي تأخر، وإذا تمت الشهران: إما أن يتصدق بها صاحب المغسلة ، إن وجد من يقبلها ويلبسها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، لكن أرى أن ينتظر بعد الشهرين عشرة أيام أو خمسة عشر يوما؛ لأنه ربما يكون صاحبها قد أقبل، ولكن تعطلت سيارته أو حصل له مرض ؛ فالأفضل أن ينتظر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (215 / 11).
وقال أيضا : " إذا كان بينهما أجلٌ معين : فمتى انتهى الأجل فهو في حل أن يتصدق بها ، أو يبيعها ويتصدق بثمنها.
وأما إذا لم يكن بينهما أجل معين؛ فلا يجوز أن يبيعها بعد شهر أو شهرين ، بل لا يبيعها ولا يتصرف فيها إلا حيث أيس من صاحبها ، فإذا أيس فهو في حل؛ لأنه لا يمكن أن يشغل مكانه بهذه الثياب أو هذه الفرش إلى ما لا نهاية له ". "لقاء الباب المفتوح" (215 / 19) .
وبهذا يُعلم أن السلعة لا تصير ملكا للبائع مهما طالت المدة، وإنما يتصدق بها عن صاحبها.
والله أعلم.