الحمد لله.
أولا:
الغسل المتعلق بالشهوة، إنما يجب بأحد أمرين:
الأمر الأول: بالجماع، وذلك بادخال الذكر في الفرج، سواء خرج المني أو لم يخرج.
الأمر الثاني: خروج المني بشهوة بأي طريقة كان.
قال علاء الدين الكاساني رحمه الله تعالى:
" فالجنابة تثبت بأمور بعضها مجمع عليه، وبعضها مختلف فيه.
أما المجمع عليه فنوعان:
أحدهما: خروج المني عن شهوة دفقا، من غير إيلاج، بأي سبب حصل الخروج، كاللمس، والنظر، والاحتلام…
والثاني: إيلاج الفرج في الفرج في السبيل المعتاد سواء أنزل، أو لم ينزل… " انتهى من "بدائع الصنائع" (1/36).
والعادة السرية ليست بجماع، فإنما تحصل منها الجنابة ووجوب الغسل إذا خرج بسببها المني، فإن لم يصحبها خروج المني أو شكت المرأة في خروجه لم يجب عليها في هذه الحال الغسل.
لحديث زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: ( جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ ) رواه البخاري (282)، ومسلم (313).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وسواء خرج المنيُّ في يقظة أو نوم، عن تفكُّر أو نظر أو مسٍّ أو غير ذلك.
وهذا من العلم العامِّ الذي استفاضت به السنن، واجتمعت عليه الأمة.
والمنيُّ: هو الماء الدافق إذا خرج بشهوة. وماء الرجل أبيض غليظ، يشبه رائحة طَلْع النخل ورائحة العجين، ومنيُّ المرأة أصفر رقيق " انتهى من "شرح العمدة" (1/374).
ثانيا:
إذا كان المني قد خرج منك بصفاته المعروفة بسبب هذه العادة السرية في هذه المرة أو في مرات قبلها، ثم اغتسلت بعد ذلك غسل جنابة، فلا إشكال في طهارتك.
وإن كنت قد أصابك الحيض قبل أن تغتسلي من الجنابة، ثم طهرت من الحيضة، فاغتسلت لطهرك من الحيض: صحت طهارتك؛ فإن غسل الحيض والجنابة يغني أحدهما عن الآخر عند جمهور أهل العلم كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (243854).
وإن كنت لم تغتسلي من الجنابة ، ولا من الحيض، وإنما اغتسلت للإحرام فقط، فهل يكفي غسل الإحرام هذا عن غسل الجنابة؟
هذه المسألة من مسائل الخلاف، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكفي.
قال المرداوي الحنبلي رحمه الله تعالى:
قوله: ( وإن نوى غسلا مسنونا، فهل يجزي عن الواجب؟ على وجهين ).
وقيل: روايتان " انتهى من "الانصاف" (1/315).
ومنهم من قيّد ذلك بالنسيان وعدم الذِّكْر بأنه على جنابة.
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله تعالى:
" (وإن نوى غسلا مسنونا) كغسل الجمعة والعيد (أجزأ عن) الغسل (الواجب) لجنابة أو غيرها، إن كان ناسيا للحدث الذي أوجبه " انتهى من "كشاف القناع" (1/201).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" قوله: ( وإن نوى غسلا مسنونا أجزأ عن واجب )، مثاله: أن يغتسل من تغسيل الميت، أو يغتسل للإحرام، أو للوقوف بعرفة، فهذه أغسال مسنونة...
وظاهر كلام المؤلف ـ وهو المذهب ـ: ولو ذكر أن عليه غسلا واجبا، وقيّده بعض الأصحاب بما إذا كان ناسيا حدثه، أي: ناسيا الجنابة، فإن لم يكن ناسيا فإنه لا يرتفع؛ لأن الغسل المسنون ليس عن حدث، وإذا لم يكن عن حدث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات ). وهذا الرجل لم ينو إلا الغسل المسنون، وهو يعلم أن عليه جنابة، ويذكر ذلك، فكيف يرتفع الحدث؟
وهذا القول ـ وهو تقييده بأن يكون ناسيا ـ له وجهة من النظر.
وتعليل المذهب: أنه لما كان الغسل المسنون طهارة شرعية كان رافعا للحدث، وهذا التعليل فيه شيء من العلة، لأنه لا شك بأنه غسل مشروع، ولكنه أدنى من الغسل الواجب من الجنابة، فكيف يقوى المسنون حتى يجزئ عن الواجب الأعلى؟
لكن إن كان ناسيا فهو معذور.
مثاله: لو اغتسل للجمعة ـ على القول بأنه سنة ـ وهو عليه جنابة لكنه لم يذكرها، أو لم يعلم بالجنابة إلا بعد الصلاة، كما لو احتلم ولم يعلم إلا بعد الصلاة، فإن صلاة الجمعة تكون صحيحة لارتفاع الجنابة " انتهى من "الشرح الممتع" (1 / 200 – 201).
وعلى هذا القول يلتحق بالنسيان الجهل لأن الجاهل في الشرع يعذر كالناسي؛ لعدم الذِّكْر، ولعدم تعمّد ترك نية رفع الجنابة ، فعلى هذا القول تكون عمرتك صحيحة.
والحاصل:
أن غسل الإحرام يكفيك عن الغسل الذي وجب عليك بسبب الجنابة، خاصة مع جهلك بحكم ذلك، أو نسيانك له، وعمرتك صحيحة، إن شاء الله.
والله أعلم.