في قوله تعالى: (قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) كيف نجمع بين هذا وبين كلام الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله.
قال الله تعالى:
قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ الأعراف (144).
هذه الآية لا تتعارض مع تكليم الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم ليلة، والجمع بينهما بأحد وجهين:
الوجه الأول:
أن كلمة ( النَّاسِ) في قوله تعالى: ( اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ) : من العام الذي يراد به الخاص، ومثل هذا الأسلوب يرد في نصوص الوحي.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
" بيان ما نزل من الكتاب عامَّ الظاهر يراد به كلِّه الخاصُّ.
وقال الله تبارك و تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
قال الشافعي فإذْ كان مَن مع رسول الله ناسً غيرَ مَن جمَعَ لهم من الناس، وكان المخبرون لهم ناسً غيرَ مَن جمُع لهم… فالدلالة بيِّنة مما وصفت: من أنه إنما جمع لهم بعضُ الناس دون بعض…
قال الله تبارك و تعالى: ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )، فالعلم يحيط إن شاء الله أن الناس كلهم لم يحضروا عرفة في زمان رسول الله المخاطبُ بهذا ومَن معه، ولكنّ صحيحا من كلام العرب أن يقال: ( أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) يعني بعضَ الناس… " انتهى. "الرسالة" (ص 58 - 61).
فعلى ذلك : لا يكون المقصود من كلمة ( النَّاسِ ) جميع الناس ، من آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، وإنما المراد الناس في زمن موسى عليه السلام، فالله تعالى قد اختاره عليهم بأن أرسله وكلّمه.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" قوله تعالى: ( يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي).
الاصطفاء: الاجتباء، أي فضَّلتُك. ولم يقل على الخلق، لأن من هذا الاصطفاء أنه كلّمه وقد كلّم الملائكة وأرسله وأرسل غيره. فالمراد ( عَلَى النَّاسِ ) المرسل إليهم " انتهى. "تفسير القرطبي" (9/327).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ) كقوله: ( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي ) أي: على جميع الناس من الموجودين في زمانه " انتهى. "تفسير ابن كثير" (5/277).
الوجه الثاني:
أن يقال: إن الله تعالى اصطفى موسى عليه السلام فكلّمه برسالته وموسى في هذه الأرض، فالإرسال مع التكليم على هذا الوجه خاص بموسى عليه السلام، وأما آدم عليه السلام، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم : فقد كلّمهما خارج هذه الأرض، ولم يكلمهما بالرسالة وهما وهما على هذه الأرض.
قال أبو حيان رحمه الله تعالى:
" ( عَلَى النَّاسِ ) لفظ عام، ومعناه الخصوص؛ أي على أهل زمانك.
أو يبقى على عمومه؛ ويعني: في مجموع الدرجتين، الرسالة والكلام، قاله ابن عطية، وينبغي أن يحمل ذلك على وقوع الكلام في الأرض؛ إذ ثبت أن آدم نبي مكلم، وتُؤول على أن ذلك في الجنّة، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يظهر من حديث الإسراء أنه كلمه الله تعالى " انتهى من "البحر المحيط" (5/169).
وينظر ما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (306583).
والله أعلم.