أهدتني زوجتي ساعة قد أهداها والدي لها، ولا علم لهما إنها من الذهب الخالص عيار ١٨، وهي ساعة قديمة من ٤٠ سنة، ولا تعمل، وبها عيوب في الميناء، وبالامكان إصلاحها في الوكالة بمبلغ يزيد عن ١٠ الاف ريال، أخذتها لبيعها في سوق الذهب لمحل يشتري الساعات، فأخبرني أن الساعة لا قيمة لها، سوى وزنها من ذهب، واشتراها، وقبضت ثمنها، ولا أدري هل سيصلح الساعة ويبيعها لرجل، أم أنه سيذيب الذهب، ويستعمله؛ لأن محله يبيع حلي الذهب أيضا للنساء؟ وقد قرأت الفتوى رقم: (285795)، وفيها: أن يبيع الذهب بعد فكه من الساعة، ولم أفعل ذلك، فهل ما قبضته حلالا. وكيف تنصحون بالتصرف به؟
الحمد لله.
أولا :
يحرم على الرجل لبس الذهب؛ لما روى مسلم (2090) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ، فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: (يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ! فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لا وَاللَّهِ، لا آخُذُهُ أَبَدًا، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (14/ 32): "وأما خاتم الذهب: فهو حرام على الرجل بالإجماع، وكذا لو كان بعضه ذهبا وبعضه فضة، حتى قال أصحابنا: لو كانت سن الخاتم ذهبا، أو كان مموها بذهب يسير فهو حرام؛ لعموم الحديث الآخر في الحرير والذهب: (إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (82877).
ثانيا:
يحرم بيع ما يلبسه الرجل من ذهب، كخاتم، أو ساعة، ونحوها؛ لأن شرط البيع أن تكون السلعة مباحة النفع، فيحرم بيع ما يُتَّخذ للمعصية، أو يستعان به على المعصية، فلا تباع الساعة الرجالية من الذهب حتى تُكسر، أو تذاب، بحيث لا يمكن لبسها، كما قال الفقهاء في بيع العود والمزمار والطنبور إذا كانت ينتفع به بعد كسره.
قال في "كشاف القناع" (3/ 155): "ولا يصح بيع آلة لهو كمزمار وطنبور ومنها النرد والشطرنج" انتهى.
ثم قال في (4/ 371): "وإن كان الطبل من جوهر نفيس يُنتفع برُضَاضه _ بضم الراء أي: فُتَوْتِه، وكل شيء كسرته فقد رَضَضَّته_، كالذهب والفضة: صحت الوصية به؛ نظرا إلى الانتفاع بجوهرهما، دون جهة التحريم، كآنية الذهب والفضة، وقياس ذلك: صحة بيعه" انتهى.
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 342):
" الشرط الثاني من شروط المبيع: (النفع)؛ أي الانتفاع به شرعا، ولو في المآل، كالجحش الصغير.
(فلا يصح بيع) ما لا نفع فيه؛ لأنه لا يعد مالا ...
(و) لا بيع (آلة اللهو)؛ للحُرمة، كالطنبور والصنج والمزمار والرباب والعود، وكذا الأصنام والصور، وإن اتخذت المذكورات من نقد؛ إذ لا نفع بها شرعا.
(وقيل: يصح) البيع (في الآلة)؛ أي وما ذكر معها، (إن عُدَّ رُضاضها)، وهو بضم الراء: مُكَسَّرُها (مالا)؛ لأن فيها نفعا متوقعا، كالجحش.
ورُدّ بأنها، على هيئتها: لا يقصد منها غير المعصية" انتهى.
وعُلم منه: أنه إذا لم تبق على هيئتها، وكان رُضاضها ينتفع به، أنه يجوز بيعها.
ثالثا:
إذا قال صاحب المحل: إن الساعة لا قيمة لها سوى وزنها من الذهب، واشتراها وزنا، وكان يبيع فيما يبيع الحلي للنساء، وأُخبرت أن إصلاح الساعة يكلف عشرة آلاف أو أكثر، فهذا يغلّب على الظن أنها لن تباع ساعة، ولن يلبسها رجل، والغالب أن التاجر سيذيبها ويبيعها حليا.
وعليه؛ فلا شيء عليك في بيعها، ولا يلزمك إذابتها أو كسرها قبل بيعها ما دام يغلب على الظن أنها لن تلبس.
ولو أنك عدت، فنصحت صاحب المحل، وبينت له أنه لا يحل بيع الساعة لرجل يلبسها، كان ذلك أحسن، وأبلغ في النصيحة.
والله أعلم.