صار لي حيرة شديدة، فقد قرأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مسلمة، فأُشكلت عليّ أحاديث وأقوال العلماء -كابن تيمية وابن القيم- في دخول المشركين البالغين العاقلين من أهل الفترة الجنة، كهذا القول مثلا في درء التعارض: "ويمتحن سائر من لم تبلغه الدعوة في الدنيا، فمن أطاع حينئذ دخل الجنة ومن عصى دخل النار"، فكيف نجمع بين دخول هؤلاء المشركين الذين ليسوا أطفالا للمشركين ولا مجانين للجنة وبين أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة؟
الحمد لله.
لا تعارض بين الحديث الذي في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة) رواه البخاري (2897)، ومسلم (178)
وبين ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنّ أهل الفترة البالغين يدخلون الجنة بعد الامتحان، وذلك أنهم بعد الامتحان: منهم من ينجح بالامتحان، ويصير بذلك مسلما ومستسلما لله، فيدخل الجنة، فينطبق عليه حديث أنه (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة) لأنه لم يدخلها إلا بعد أن أسلم.
ونص عبارة شيخ الإسلام واضحة في أن المراد أنّ الذين يدخلون الجنة من أهل الفترة بعد الامتحان هم من أطاعوا (فمن أطاع حينئذ دخل الجنة ومن عصى دخل النار).
وقد نص على هذا المعنى بعبارة أوضح في كتاب "الرد على الشاذلي" (1/131). حيث قال:
"والأصلُ الجامعُ في هذا الباب: أنه لا يَدخُل الجنةَ إلا مؤمن، وكلُّ مؤمن فلابدَّ له من دخول الجنة، وأنَّ كلَّ كافر فلابد له من دخول النار، فمن آمن بالرسل فإنه لا بدّ له من الجنة، ومن كذَّب الرسل فلا بدّ له من العذاب.
ومَن لم يصدِّقهم ولم يكذِّبهم، لكونه لم تبلغه الرسالة لم يكن من هؤلاء ولا من هؤلاء، بل يُحال أمره على علم الله، وقد جاءت الآثار بأن هؤلاء يُرسل إليهم الرسل في الدار الآخرة، وحينئذٍ فينعَّم المؤمن ويُعاقَب المكذب".
وقد سبق في الموقع جواب مفصل حول امتحان أهل الفترة فيحسن الرجوع إليه: (98714 )
والله أعلم.