الحمد لله.
هذا الحديث رواه الإمام أحمد21390، والترمذي 2180وقال : حسن صحيح ، وابن أبي عاصم في السنة ، وقال المناوي : إسناده صحيح ، وصححه الألباني في رياض الجنة رقم 76 ]
وردت هذه الكلمة في حديث أبي واقد الليثي ، رضي الله عنه : ( أنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ ، قَالَ وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُم ،ْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّة .)ً وعند ابن أبي عاصم في كتاب السنة : ( ونحن حديثو عهد بكفر )
سدرة أي : شجرة
وقَوْلُهُ : يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، الأنواط : جمع نوط ، وهو كل شيء يعلق ، وذات الأنواط هي الشجرة التي يعلق عليها هذه المعاليق . قَالَ ابن الأثير فِي النِّهَايَةِ : هِيَ اِسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِين ، يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ ، أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا ، وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ .
وقوله : " قُلْتُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ،ِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ " ، شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل لما مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم ، طلبوا من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعكفون عليه كما لأولئك إله .
( إنها لسنن ) ، أي : طرق ، ( لَتَرْكَبُنَّ ) أي : لَتَتَّبِعُنَّ ، ( سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) أي : طريقة من كان قبلكم من الأمم ، وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الأْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي اِبْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ : " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا , وَذِرَاعًا ذِرَاعًا , حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى . قَالَ " فَمَنْ " ؟
قال النووي : وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ؛َ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وفي هذا الحديث من الفوائد :
1- التحذير من الشرك ، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله ، وهو أبعد ما يبعده من رحمة ربه ، ويقربه من سخطه .
2- بيان أن التبرك بالأشجار والأحجار ، والعكوف عليها ، والتعلق بها ، من الشرك الذي وقع في هذه الأمة ، وأن من وقع فيه فهو تابع لطريق اليهود والنصارى ، تارك لطريق النبي ، صلى الله عليه وسلم .
3- أن العبرة بالمعاني ، وليس بالألفاظ ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم شبه قولهم بقول بني إسرائيل ، مع أنهم لم يطلبوا إلها من دون الله ، صراحة .
4- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والكتاب فيما هو من خصائصهم وعباداتهم .
5- وفيه أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده ، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة الذين طلبوا ذلك لم يكن مضى على إسلامهم إلا أيام معدودة ، لأنهم أسلموا يوم فتح مكة ثم خرج بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزوة حنين فوقعت تلك الوقعة وهم في طريقهم إلى حنين .
[ انظر فتح المجيد ، بشرح كتاب التوحيد ، 139-147 ، القول المفيد ، للشيخ ابن عثيمين ] .
ونذكر السائل الكريم بأن هذا الحديث قد ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، رحمه الله ، في كتابه المبارك : كتاب التوحيد ، في باب : من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما . فننصح لتمام الفائدة ، باقتنائه ، مع شيء من شروحه ، خاصة الشرحين المشار إليهما .
والله الموفق .