أرغب في شراء أرض فلاحية، يملكها عدة ورثة وشركاء على الشياع، وليست مقسمة، منذ أكثر من عام عرضت 7000 دولار لشرائها ووافق الجميع، باستثناء أحد الورثة الذي رفض بيع حصته، لم تتم عملية البيع لي بسرعة؛ حيث إن الورثة يعيشون في مناطق متفرقة، واستغرق التنسيق مع الجميع وقتًا طويلاً، إلا أن بعض الورثة لم يعودوا متحمسين جدًا لعرضي الأولي بقيمة 7000 دولار، لقد انتظرت أكثر من عام ولم يحدث أي تقدم يفضي إلى البيع، ولذلك عرضت مؤخراً مبلغ 9000 دولار، والآن وافقوا على تنفيذ البيع، باستثناء الوارث الذي رفض في البداية، ولا يزال يرفض بيع حصته التي تقدر بحوالي 20%، لا أمانع في شراء 80% فقط من الأرض، ذكر لي أحد الورثة أن الوارث الذي يرفض بيع حصته ربما ينوي إعادة شراء الأرض من خلال الشفعة في وقت لاحق، نظرًا لأن قانون الشفعة المحلي يمنحه سنة كاملة من تاريخ إبلاغه بالبيع، أنا أعترف بحقه المشروع في الشفعة، وأنوي إخباره إذا تم البيع. سؤالي هو: هل يحق لي أن أعرض وأدفع فعليا أكثر من 9000 دولار لزيادة فرصي في الاحتفاظ بهذه الأرض التي لها قيمة لا مادية كبيرة بالنسبة لي، نظرا إلى أن تلك الأرض ملتصقة بمنزل جدي في القرية، ولدي الكثير من ذكريات الطفولة المرتبطة بها؟
الحمد لله.
أولا:
إذا اشترك جماعة في أرض لم تقسم، وأراد بعضهم بيع نصيبه، فعليه أن يخبر شركاءه؛ لما روى مسلم (1068) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ".
ثانيا:
إذا أذن الشريك في البيع، ثم طالب بالشفعة بعد وقوع البيع: فله ذلك، في قول الجمهور.
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال: (وإن أذن الشريك في البيع، ثم طالب بالشفعة بعد وقوع البيع، فله ذلك) وجملة ذلك أن الشفيع إذا عفا عن الشفعة قبل البيع، فقال: قد أذنت في البيع، أو قد أسقطت شفعتي. أو ما أشبه ذلك، لم تسقط، وله المطالبة بها متى وجد البيع.
هذا ظاهر المذهب. وهو مذهب مالك، والشافعي، والبتي، وأصحاب الرأي" انتهى من "المغني" (5/ 282).
وذهب الإمام أحمد في رواية، اختارها بعض الحنابلة: أنه إذا أسقط الشفعة لم يعد إليها.
قال ابن القيم رحمه الله: " وإن أذن في البيع، وقال: لا غرض لي فيه، لم يكن له الطلب بعد البيع؛ هذا مُقتضى حكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا معارض له بوجه، وهو الصواب المقطوع به" انتهى من "إعلام الموقعين" (3/ 372).
وقد اختار هذا القول أيضا: الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله. ينظر: "التعليق على الكافي" (5/ 387) ترقيم الشاملة.
ثالثا:
إن باع بعضهم دون إعلام الشريك، كان للشريك حق الشفعة؛ لما روى البخاري (2213)، ومسلم (1608) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ".
ولفظ مسلم: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ".
قال ابن قدامة رحمه الله: " وأما الإجماع، فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسِم، فيما بيع من أرض أو دار أو حائط.
والمعنى في ذلك: أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه، وتمكن من بيعه لشريكه، وتخليصه مما كان بصدده من توقع الخلاص، والاستخلاص؛ فالذي يقتضيه حسن العشرة، أن يبيعه منه، ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه، وتخليص شريكه من الضرر، فإذا لم يفعل ذلك، وباعه لأجنبي، سلط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه" انتهى من "المغني" (5/ 229).
وفي "الموسوعة الفقهية" (26/ 139): " اتفق الفقهاء كما سبق على ثبوت شفعة للشريك الذي له حصة شائعة في ذات المبيع، ما دام لم يقاسم" انتهى.
فعلى هؤلاء الشركاء أن يُعلموا شريكهم الذي يرفض البيع، فإن شاء اشترى نصيبهم، وإن شاء ترك، فإذا لم يُعلِموه، وباعوا لك: وباعوا لك، كان له أخذ نصيبهم بحق الشفعة.
وإن أعلموه، فترك أخذه أولا، ثم أراد أن يأخذه بالشفعة، فقد سبق ذكر الخلاف فيه:
فعلى قول جمهور الفقهاء له ذلك.
وعلى القول الثاني، وهو قول قوي متجه: أن حقه في الشفعة يسقط، إذا علم بالبيع، ولم يطالب بحقه في الشفعة أولا.
لكن الذي يلزمه، بكل حال: أن يأخذه بالثمن الذي اشتريت به.
فإن أبى شراءه بالثمن الذي أخذتَ به، سقط حقه في الشفعة.
قال في "كشاف القناع" (4/ 159): "ويأخذ الشفيع الشقص) المشفوع (بلا حكم حاكم)؛ لأنه حق ثبت بالإجماع، فلم يفتقر إلى حكم حاكم؛ كالرد بالعيب.
(بمثل الثمن الذي استقر عليه العقد) وقت لزومه، (قدرا وجنسا وصفة)؛ لحديث جابر فهو أحق به بالثمن...
(وإن عجز) الشفيع (عن الثمن، أو) عجز (عن بعضه: سقطت شفعته" انتهى.
رابعا:
لا حرج أن تبذل أكثر من 9000 دولار، ثمنا للأرض، إذا كنت حريصا على أخذها.
والممنوع هنا: هو أن تتواطأ مع البائعين على ثمن كثير غير حقيقي، ليعجز عنه الشفيع، ويكون الثمن الحقيقي أقل من ذلك، فهذه حيلة محرمة لا تسقط حق الشفيع، بل يأخذ الأرض بهذا الثمن الحقيقي.
قال ابن القيم رحمه الله في الحيل المحرمة لإسقاط الشفعة: " ومنها: أن يشتري الشِّقْصَ بألف دينار، ثم يصارفه عن كل دينار بدرهمين، فإذا أراد أخْذَه، أخَذَه بالثمن الذي وقع عليه العقد.
وهذه الحيلة لا تسقط الشفعة، وإذا أراد أخْذَه، أخَذَه بالثمن الذي استقر عليه العقد، وتواطأ عليه البائع والمشتري؛ فإنه هو الذي انعقد به العقد، ولا عبرة بما أظهراه من الكذب والزور والبهتان الذي لا حقيقة له؛ ولهذا لو استُحق المبيع، فإن المشتري لا يرجع على البائع بألف دينار، وإنما يرجع عليه بالثمن الذي تواطآ عليه واستقر عليه العقد.
فالذي يرجع به عند الاستحقاق، هو الذي يدفعه الشفيع عند الأخذ، هذا محض العَدْلِ الذي أرسل اللَّه سبحانه به رسله وأنزل به كتبه ولا تحتمل الشريعة سواه...
ومنها: أن يشتري الشَّقْصَ بألف، وهو يساوي مئة، ثم يبرئه البائع من تسع مئة، وهذا لا يسقط الشفعة، ويأخذه الشفيع بما بقي من الثمن بعد الإسقاط، وهو الذي يرجع به إذا استحق المبيع" انتهى من "إعلام الموقعين" (5/ 258).
والحاصل:
أن على الشركاء أن يُعلموا شريكهم، فإن لم يشترِ الأرض، باعوا لك.
فإن أراد أخذها بالشفعة، أخذها بمثل ما اشتريت أي ب 9000 دولار، فإن أبى، سقطت شفعته.
والله أعلم.