هل الأرض كوكب بمفهوم القرآن أم لا ؟ وإن كانت نعم، فكيف يمكن التوفيق بينها وبين آيات تتحدث على أن الكواكب زينة؟
الحمد لله.
أولا:
جعل الله الكواكب زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وهداية للطريق، كما قال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ الصافات/6-8.
وقال تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ الملك/5.
وقال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ومما جاء في معناه: أنه "الرُّجوم من النُّجوم، يعني ما يرمى به الشياطين، رواه عكرمة عن ابن عباس" زاد المسير" (4/ 183).
وروى مسلم (220) عن حُصَيْن بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟" الحديث.
وانقض: أي سقط.
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الأنعام/97.
وقال تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ النحل/16.
قال البخاري في صحيحه: وَقَالَ قَتَادَةُ: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ : خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا.
فالكواكب هي النجوم، وهي زينة للسماء ورجوما للشياطين.
ومما يدل على ذلك غير ما سبق:
قوله تعالى: (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ) الانفطار/2 ، مع قوله تعالى: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) التكوير/2 ، ومعنى انْكَدَرَتْ: أي: "تناثرت، وتهافتت. يقال: انكدر الطائر في الهواء: إذا انقضَّ" "زاد المسير" لابن الجوزي (4/ 406).
وقال تعالى: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) النور/35.
قال ابن جزي: "والمراد بالكوكب الدرّي: أحد الدراري المضيئة: كالمشتري، والزهرة، وسهيل، ونحوها، وقيل: أراد الزهرة، ولا دليل على هذا التخصيص" انتهى من التسهيل لعلوم التنزيل (2/ 70).
وروى البخاري (846)، ومسلم (71) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: " صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ [أي مطر] كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ .
وهذا صريح في أن الكوكب هو النجم، والنوء: هو سقوط النجم، أو طلوعه.
قال في "القاموس المحيط" ص1161: "النجم: الكوكب".
ومنهم من فرق بين الكوكب والنجم: بأن الكوكب لا يطلق إلا على النجم الكبير، أو أن الكوكب: النجم الثابت، بخلاف ما يطلع ويغرب فإنه يسنى نجما ولا يسمى كوكبا.
قال العسكري في الفروق اللغوية، ص 301: "الْفرق بَين النَّجْم والكوكب:
أَن الْكَوْكَب اسْم للكبير من النُّجُوم، وكوكب كل شَيْء معظمه، والنجم عَام فِي صغيرها وكبيرها. وَيجوز ان يُقَال: الْكَوَاكِب هِيَ الثوابت، وَمِنْه يُقَال: فِيهِ كَوْكَب من ذهب أَو فضَّة؛ لِأَنَّهُ ثَابت لَا يَزُول، والنجم الَّذِي يطلع مِنْهَا ويغرب" انتهى.
ففي الاصطلاح القرآني، الكواكب هي النجوم، وهي في السماء.
وعلى هذا الاصطلاح، والتسمية: فالأرض ليست نجما ولا كوكبا.
ثانيا:
أما تسمية الأرض كوكبا، فهذا شائع لدى أهل العلوم العصرية، ولهم تفريق بين الكواكب والنجوم.
جاء في الموسوعة العربية العالمية:
"كوكب الأرض:
تُرتب الأرض على أنها الخامسة حجما من بين الكواكب. يبلغ قطرها تقريبًا 13,000كم. يبلغ قطر المشتري، وهو أكبر الكواكب 11 مرة مثل قطر الأرض، وقطر بلوتو أصغر الكواكب خُمْس قطر الأرض.
تقع الأرض على مسافة 150 مليون كم من الشمس أمَّا عطارد والزهرة فهما أقرب من الشمس" انتهى.
وجاء فيها: "الكوكب أحد الأجسام التسعة الضخمة التي تدور بعيدة حول الشمس. والكواكب هي عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو. ويعد بلوتو بشكل عام أكثرها بعداً عن الشمس. وبالرغم من ذلك، فقد حدث بين 23 يناير 1979م و11 فبراير 1999م ما توقعه الفلكيون بأن يؤدي تغير مسار هذا الكوكب إلى اقترابه من الشمس أكثر من كوكب نبتون. فمدار بلوتو البيضاوي الطويل يجعله يدور في مسار نبتون لمدة عشرين سنة كل 248 سنة.
وتشكل الشمس والكواكب مع توابعها ـ الأقمار والأجسام الصغيرة التي تدعى بالكويكبات والمذنبات والنيازك ـ النظام الشمسي.
وتبدو الشمس والنجوم الأخرى كُراتٍ لامعةً عملاقةً من الغازات الحارة.
أما الكواكب: فهي أجسام داكنة، وأصغر كثيراً من الشمس، ومن معظم النجوم الأخرى.
ويتمثل الاختلاف الرئيسي بين النجوم والكواكب: في أن النجوم تُنْتِجُ حرارتها وضوءَها. أما الكواكب فلا تقوم بذلك.
ويأتي كل الضوء والحرارة اللذين يصلان إلى الكواكب تقريباً من الشمس.
ويمكن رؤية الكواكب فقط بسبب عكسها ضوء الشمس.
وخمسة من الكواكب (عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل) تكون متألقة بشكل يكفي لرؤيتها من الأرض بدون مساعدة التلسكوب.
تتشابه النجوم والكواكب كثيراً في سماء الليل، ولكن هناك طريقتين لتمييز بعضها عن بعض:
أولاً، تلمع الكواكب بشكل ثابت، إلا أن النجوم تومض وتتألق.
ثانياً، تتحرك الكواكب حول النجوم؛ وقد لوحظت هذه الحركة في البداية من قبل اليونانيين القدماء، الذين سمّوا الأجسام المتحركة الكواكب.
ووجد الفلكيون المعاصرون الذين استعملوا التلسكوب طريقة ثالثة لتمييز النجوم عن الكواكب، حيث أثبتوا أنّ جميع الكواكب تظهر على شكل أقراص ـ ماعدا بلوتو. ولكن النجوم تظهر دائماً على شكل نقاط من الضوء، بمساعدة التلسكوب المركز جيداً" انتهى.
والله أعلم.