اهتم الإسلام بدور الأسرة في التربية وفي غرس القيم – ومنها: (القناعة والرضا) -؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ . أخرجه البخاري (1358)، ومسلم (2658) .
وقيمة القناعة والرضا لها أهمية كبيرة في حياة الفرد، وغيابها يسبب عواقب وخيمة يظهر تأثيرها في حياة الأفراد والمجتمعات؛ وبالنظر إلى المتغيرات التي يشهدها الوقت الراهن نجد الميل إلى ظاهرة القيم المادية في مجالات الحياة المختلفة.
انظر: "عولمة المرأة المسلمة" إكرام كمال، ص 103.
فما أحوجنا إلى أن نربي أبناءنا على القناعة، وما أحوجنا إلى الرضا بما قسمه الله، في زمن تكالب فيه كثير من الناس على الدنيا، وانغمسوا في شهواتها، في زمن كثر فيه التذمر والتشكي، وضعُف فيه الرضا بما قسَم وقدّر ربّ العالمين؛ فالرضا والقناعة، لفظان متقاربان في المعنى، فما هي القناعة؟
قال الإمام السيوطي: "القناعة هي الرضا بما دون الكفاية، وترك التشوف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود" انتهى، من "معجم مقاليد العلوم" ص205.
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القناعة، وبين أنها الطريق إلى السعادة والفلاح، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ أخرجه مسلم (1054).
ثانيًا:
كيف نكتسب خلق القناعة والرضا، وما الطريق إليها؟
1- نكتسب هذا الخلق بالإيمان واليقين الجازم: أن الله هو الرزاق، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فعن جابر رضي الله عنه قَال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ أخرجه ابن ماجه (1756).
2- إذا أردنا أن يرزقنا الله القناعة، أن ننظر إلى من هو أقل منا مالًا وجاهًا وحسبًا، فقد علمنا ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أخرجه مسلم: (2963).
3- حكمة الله في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد؛ حتى تحصل عمارة الأرض، ويتبادل الناس المنافع والمصالح، ويخدم بعضهم بعضًا. قال الله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف/ 32، فلا يجوز الاعتراض على قسمة الله، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون أين تكون المصلحة وقد قال سبحانه: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ البقرة/ 216.
4- القناعة بما عندك وعدم السؤال.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا، فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ أخرجه البخاري (1470).
5- تدريب النفس على الاقتصاد في المعيشة، والرفق في الإنفاق، إذا تيسر به في الحال ما يكفيه.
وتربية الأولاد على الرضا والقناعة أمر مهم جدًا، إذا أردنا أن ينشأ أولادنا على طاعة الله ورسوله وعلى الاستقامة والأخلاق الحسنة، لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وسبب عظيم من أسباب الانحراف عن الفطرة، ولا شك أن تنشئة طفلٍ قنوع راضٍ عما بين يديه، وما هو مُتاح، رغم كل التأثيرات الخارجية هو تحدٍّ بالغٌ للأسرة، وليس مهمة سهلة، فلا بُدَّ أن يتعلم الأبناء فوائد القناعة والرضا، وأنها : سبب لنيل محبة الله - علامة على كمال الإيمان - تبعد الإنسان عن الذنوب والمعاصي التي تحبط الحسنات - تجعل الإنسان يعيش حياة هنيئة طيبة - تشيع المودة وتنشر المحبة بين الناس - تكسب الإنسان قوة الإيمان والثقة به والرضا بما قسم - سبيل لراحة النفس والبعد عن الهموم - تعفف عما في أيدي الناس.
انظر: "الأخلاق الإسلامية وأسسها" عبد الرحمن الميداني، (2/363-365) بتصرف.
وغرس قيمة الرضا في نفس الطفل لا يأتي بمجرد أن تقول لطفلك: كن قنوعا - كن راضيًا ، لتجده مباشرة: قنوعا .. وراضيا؛ هذا لا يحدث، فإن التربية على ذلك عملية متكاملة، تتداخل فيها مكونات ثلاثة: (المكون المعرفي - المكون الوجداني - المكون السلوكي)، وذلك بذكر قصص وأحاديث عن الرضا مثل: (وارضَ بما قَسَمَ اللهُ لكَ تكُنْ أغْنَى الناسِ) أخرجه الترمذي (2305)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ليسَ الغِنَى عن كَثْرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ» أخرجه البخاري (6446)، ومسلم (1051)، فهذا مكون معرفي ضروري حتى يقتنع بعد ذلك، ويتأثر بالقناعة والرضا، فيحبهما، وذلك مكون وجداني؛ ثم التدريب على ذلك، وإظهار نماذج القدوات على ذلك الخلق؛ وهذا ركن المكون السلوكي، ثم تعاهد الطفل بذلك في مواقف مختلفة.
ثالثًا:
مخاطر عدم الرضا والقناعة لدى الأبناء:
1- أسلحة مُحرجة: وذلك لغياب فكرة الحوار من قِبل الطفل حينما يطلب ما يريد، فهو يلجأ للصراخ والبكاء والعناد غير المبرر.
2- غياب مُفَضَّلاته: فسعي الطفل إلى الحصول على الشيء، فقط لأنه رآه في يد الآخرين: هو إشارة إلى غياب ما يُحب.
3- إتلاف ما بيد الآخر: يميل الطفل غير القنوع إلى إتلاف ما بيد الآخرين حتى لو كان الأم أو الأب، وعند النقاش أو الحوار لا يُبدي أي إجابة سوى العناد السلبي.
وعلاج ذلك بالوسائل الآتية:
الأول: أن يتعلم الطفل كيف يدخر المال ويُوفره، وإخباره بأنه سيتم شراء ما يرغب به من أمور غير أساسية من مدخراته الشخصية، مثل: الألعاب والحلويات وغيرها.
الثاني: توضيح أن احتياجات الأم أو الأب الخاصة، تكون من مدخراتهم الشخصية، وليس من ضمن الميزانية المخصصة لمصروفات البيت.
الثالث: مناقشة طلب الابن معه بتوجيه بعض الأسئلة، مثل: ما الحاجة إليه؟ كم يبلغ ثمنه؟ وما الفائدة منه؟ وهل هناك بدائل أقل تكلفة؟
الرابع: تقديم خيارات للطفل تُلبي المطلب نفسه، واحترام خياره، حتى ولو كان عكس رغبتنا.
رابعًا:
طرق الحماية من الإغراق الاستهلاكي (الإعلانات - اعتياد التسوق - الثقافة المحيطة):
أبناء العصر الذي نعيش فيه الآن متطلعون دومًا للشراء، والاستكثار من البضائع المختلفة وتنويعها، فالإعلانات بمختلف طرقها ووسائلها تحيط بالأطفال، تخرج لهم عبر التلفاز، وفي الشارع، وفي المجلات، وعلى الإنترنت، ويعتمد أكثرها على رسم صورة محببة بعد اقتناء السلعة.
فمهما كان لدى الطفل من ألعاب، فإنه إذا ذهب إلى المركز التجاري سيريد المزيد، ومهما كان لدى الفتيات من ملابس وحليٍّ، فإن مشاهدتهن للمزيد والجديد، ستوجد الرغبة في اقتناء هذا الجديد.
ولا شك أن الحماية من هذا الإغراق الاستهلاكي ليست بالأمر السهل، ولكن بعض العادات الحياتية للأسرة قد تقلل من أثرها، مثل تفهيم الأبناء الآتي:
1- عدم اعتبار التسوق فسحة: فمن الأمور الشائعة في حياتنا المعاصرة، والتي تضعف أركان القناعة لدى الكبار والصغار، فضلًا عن أضرارها النفسية والاجتماعية الأخرى، هي اعتبار التسوق فسحةً وترفيهًا، فيصبح الشراء متعة للنفس، وليس ضرورة، وهو ما قد يتطور فيما بعد لإدمان الشراء.
2- عدم مشاهدة الإعلانات قدر المستطاع: حيث تحتل الإعلانات مساحة كبيرة من المحتوى الإعلامي والفني، سواء في القنوات المتلفزة أو الإلكترونية، وتعويد الطفل منذ الصغر على عدم مشاهدتها وتحويلها فورًا، يقلل من أهميتها عنده، وليكن هذا الأمر دون ضغط وكأننا نخاف منها، ولكن بصرف الاهتمام عنها، وعدم إضاعة الوقت في مشاهدتها.
3- التوعية: كلمات المربي ورأيه حول أساليب الدعاية والإعلان، والطرق المختلفة للإغراق الاستهلاكي تؤسس لطفل واعٍ، لديه مرشحات استقبال، كلمة بسيطة من المربي تصف الدعاية بأنها وهمية، أو مبالغ فيها، أو أنها في الغالب مجرد تلاعب بعقول المشاهد واستنزاف لأموالهم ستجعل الطفل يفكر.
خامسًا:
ما المنهج النبوي لتنشئة الأبناء على القناعة والرضا:
أولًا: كن قدوة: يجب أن يكون الأب والأم هم القدوة الأولى، والأساس لتربية طفلهم على القناعة والرضا؛ فيجب أن يكونوا دائمًا في رضا وقناعة بكل شيء في حياتهم، ويري أبناؤهم هذا فيهم.
قد يبدو هذا الجمع بين القناعة والرضا نظريًا، ولكنه في الحقيقة قابل للاجتهاد والتطبيق، كما كان أسوتنا صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه: احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ أخرجه مسلم (2664).
فعندما يرى الصغار، من هم تحت رعايتهم دؤوبين في العمل، مستبشرين دومًا بفضل الله، واثقين في رزقه وعطائه، فإن هذه المعاني العظيمة تنغرس في وجدانهم.
وأعظم نموذج في القناعة والرضا؛ هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو القدوة والأسوة في كل خلق جميل؛ فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعًا زاهدًا راضيًا صابرًا محتسبًا، كان أبعدَ الناس عن ملذات الدنيا، وأشدهم رغبة في الآخرة، وقد خيره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله. وخيَّره أن يكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا" شعب الإيمان" للبيهقي (8/114) ، وكيف لا يكون كذلك ورب العالمين سبحانه يخاطبه بقوله: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى طه/ 131.
وفي الحديث الشريف عن عمر رضي الله عنه قال: " ... دَخَلْتُ علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو مُضْطَجِعٌ علَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فأدْنَى عليه إِزَارَهُ وَليسَ عليه غَيْرُهُ، وإذَا الحَصِيرُ قدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ ببَصَرِي في خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَنَا بقَبْضَةٍ مِن شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا في نَاحِيَةِ الغُرْفَةِ، وإذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، قالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قالَ: ما يُبْكِيكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ قُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، وَما لي لا أَبْكِي وَهذا الحَصِيرُ قدْ أَثَّرَ في جَنْبِكَ، وَهذِه خِزَانَتُكَ لا أَرَى فِيهَا إِلَّا ما أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى في الثِّمَارِ وَالأنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَصَفْوَتُهُ، وَهذِه خِزَانَتُكَ! فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟ قُلتُ: بَلَى..." أخرجه البخاري (4913)، ومسلم (1479) واللفظ له.
ثانيًا: ضرب الأمثال:
فهي تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس، فيتقبله العقل، لأن المعاني المعقولة لا تستقر في الذهن، إلا إذا صِيغَت في صورة حية، قريبة الفهم، وتكشف الأمثال عن الحقائق، وتعرض الغائب في معرض الحاضر، وتجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة، والأمثال كثيرة في القرآن، وهي تلعب دورًا هامًا وبالغًا، في التأثير في العواطف، وفي التأثير في السلوك الإنساني.
انظر: "نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم"، عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد. (1/141).
كما تُضرب الأمثال لتربية الإنسان تربية روحية وخلقية، ولقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كان عليه، واتبعوا آثاره، وتخلَّقوا بأخلاقه، وعاشوا التقشُّف والزهد في أول أمرهم نظرًا لقلة ذات اليد، ثم انتشر الإسلام وجاءتهم الغنائم وفتح الله عليهم، فلم تؤثر هذه الأموال التي اكتسبوها من الغنائم على زهدهم، بل استمروا على ما هم فيه من قناعة وتقشُّف.
وهنا نموذج من قناعة الصحابة وبعدهم عن الطمع منها: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ أخرجه البخاري (442).
سادسًا:
حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع الرضا والقناعة:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيمانًا ويقينًا، وأقواهم ثقة بالله تعالى، وأصلحهم قلبًا، وأكثرهم قناعة ورضا بالقليل، حتى كان صلى الله عليه وسلم يفرق المال العظيم، يملأ ما بين الجبلين، من الإبل والغنم، ثم يبيت طاويًا. وكان الرجل يسلم من أجل عطائه صلى الله عليه وسلم، ثم لا يلبث أن يحسن إسلامه.
قال أنس رضي الله عنه: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا أخرجه مسلم (2312).
وإذا أيضًا نظرنا إلى قناعته صلى الله عليه وسلم، وجدنا أمثلة كثيرة منها:
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها إنها كانت تقول: " وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ، قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهَا، فَيَسْقِينَاهُ" أخرجه البخاري (2567) ومسلم (2972).
وقالت رضي الله عنها: "لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ، وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ" أخرجه مسلم (2974).
وقالت أم المؤمنين عائشةُ، رضي الله عنها: "كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَدَمٍ، وَحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ" أخرجه البخاري (6456)، ومسلم(2082).
وتلخيص القول كله أن نقول:
إن القناعة إن أصبتها، إن تربيت عليها، إن تشبثت بها، إن ملكتها؛ فإنك حينها تكون أشكر عباد الله لله، قال النبي صلى الله عليه وسلم موصيًا أبا هريرة: يا أبا هريرةَ! كُنْ وَرِعًا تَكُنْ من أَعْبَدِ الناسِ، وارْضَ بما قسم اللهُ لكَ تَكُن من أَغْنَى الناسِ، وأَحِبَّ للمسلمينَ والمؤمنينَ ما تُحِبُّ لنفسِكَ أخرجه الترمذي (2305).
والله أعلم