لدي منشأة صناعية، واستدنت مالا مقابل أن يستفيد الدائن بعشرة بالمائة من صافي الأرباح حتى أعيد له ماله، فهل هذا جائز؟ وعلى فرض أنه غير جائز، فكيف يتم تصحيح المسار وفق الشرع؟
الحمد لله.
أولا:
يحرم القرض بفائدة، وهو ربا مجمع على تحريمه.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/241): ” وأجمع المسلمون، نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم: أن اشتراط الزيادة في السلف ربا؛ ولو كان قبضةً من علف – كما قال ابن مسعود – أو حبة واحدة” انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (6/ 436): ” وكل قرض شرط فيه أن يزيده: فهو حرام بغير خلاف.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف، إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك= أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة” انتهى.
والربا جاء فيه من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب، فقد توعد الله صاحبه بالحرب، وأنذره المحقَ، وهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ البقرة/275-279
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: “لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: (هُمْ سَوَاءٌ) .
والقرض الذي قدمه لك صاحبك هو قرض ربوي .
فالواجب عليكما أن تتوبا إلى الله تعالى، وأن لا يأخذ الدائن إلا ما دفع.
وأما المدين: فلا يلزمه الزيادة شرعا، فإن خاف أذى كالسجن، فله دفعها.
ثانيا:
كان يمكن أن يدخل صاحب المال معك شريكا في مصنعك، مقابل نسبة من الربح، وتستمر الشركة بينكما، أو مع وعد بشراء حصته عندما يتيسر ذلك لك، فتشتريها بقيمتها عند الشراء، كأن يدخل شريكا بقدر الربع أو بقدر 10% مثلا، مع الوعد أن تشتري حصته بعد سنة أو سنتين بما تساوي هذه الحصة في ذلك الوقت، وتسمى هذه المعاملة: الشركة المتناقصة.
وينظر في ضوابطها جواب السؤال رقم: (150113).
وكان يمكن أن يشتري ما تريد من المواد، ثم يبيعها عليك بالتقسيط بربح، ويسمى هذا “المرابحة للواعد بالشراء”.
وينظر في ضوابطها: هذا الرابط.
ثالثا:
أما الآن؛ فلا يمكن تحويل هذا القرض الربوي إلى شركة إلا أن تفسخ القرض، وترد إليه المال، ثم تتفقان بعد ذلك على عقد الشركة.
ولا يجوز أن تعتبرا المال الذي عندك مشاركة منه؛ لأن الشركة يشترط أن يكون المال فيها حاضرا، وليس في الذمة.
قال في “كشاف القناع” (3/ 497): ” (ومنها) أي شروط الشركة (حضور المالين، كمضاربة)، لتقرير العمل، وتحقيق الشركة.
(فلا تصح) الشركة على مال (غائب، ولا) على مال (في الذمة)؛ لأنه لا يمكن التصرف فيه في الحال، وهو مقصود الشركة” انتهى.
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (26/ 48) ” الشرط الأول: أن يكون رأس المال عينا، لا دينا: لأن التجارة التي بها يحصل مقصود الشركة، وهو الربح، لا تكون بالدين، فجعله رأس مال الشركة مناف لمقصودها” انتهى.
وفي “المعايير الشرعية” ص 220: ” لا يجوز أن يكون رأس المال ديناً لرب المال على المضارب أو غيره” انتهى.
فإن أمكنك رد المال إليه، فافعل، ثم إن شئتما المشاركة، أو المرابحة في المواد التي تحتاجها: فلكما ذلك.
والله أعلم