هل صح ما يدل على أن من تطهر في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر الله؟

24-09-2024

السؤال 521483

حديث: (مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ)، هل هذا الحديث صحيح؟

ملخص الجواب:

الصحيح أن هذا الخبر موقوف من كلام الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم سلمان رضي الله عنه، وقد جاء ما يشهد لصحة قولهم، وهو ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ ).

الجواب

الحمد لله.

أولا:

هذا الحديث رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (6 / 253)، وابن بشران في “الأمالي – الجزء الثاني” (ص 124): عَنْ سَعِيد بْن زَرْبِيٍّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَهُوَ زَائِرُ اللهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ.

فمدار هذا الإسناد على سعيد بن زربي، وهو ضعيف يروي الأحاديث المنكرة.

قال البخاري رحمه الله تعالى:

” سعيد بن زربي أبو معاوية، سمع ثابتا البصري وأبا المليح، صاحب عجائب ” انتهى. “التاريخ الكبير” (3/473).

وقال ابن حبان رحمه الله تعالى:

” وكان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات على قلة روايته.

سمعت محمد بن محمود، يقول: سمعت الدارمي، يقول: قلت ليحيى بن معين: ما حال سعيد بن زربي؟ فقال: ليس يشيء ” انتهى. “المجروحين” (1/399).

وكذا ضعفه عدد من أئمة الحديث.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” سعيد بن زربي، عن: ابن سيرين.

قال النسائي: ليس بثقة. وضعفه الدارقطني، وأبو داود ” انتهى. “المغني في الضعفاء” (1/ 259).

وورد من طريق آخر عند أبي نعيم الأصبهاني في “تاريخ أصبهان” (2 / 235)، وفي “معجم الشيوخ” لابن جميع الصيداوي (ص 324): عن عُمَر بْن حَبِيبٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيمِيُّ، وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَوَضَّأَ وَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ عز وجل، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ.

لكن عمر بن حبيب ضعيف الحديث.

قال ابن حبان رحمه الله تعالى:

” عمر بن حبيب القاضي، كان على قضاء البصرة، يروي عن: داود بن أبي هند، وابن جريج. روى عنه: البصريون.

كان ممّن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات، حتّى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصّناعة شهد أنّها معمولة لا يجوز الاحتجاج به.

[ثم ساق الحديث السابق] ” انتهى. “المجروحين” (2 / 61 — 62).

وورد من طريق ثالث، عند إسماعيل الأصبهاني في “الترغيب والترهيب” (3 / 24): عن القاسم بن غصن، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما من رجل يتوضأ في بيته ثم يأتي مسجداً فيصلي فيه إلا كان زائراً لله عز وجل، وحق على المزور أن يكرم زائره.

والقاسم بن غصن ضعيف.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” القاسم بن غصن، عن: مسعر بن كدام. ضعفه أبو حاتم وغيره ” انتهى. “المغني في الضعفاء” (2 / 520).

وورد من طريق رابع عند الطبراني في “المعجم الكبير” (6 / 255)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُكْرَمٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ شُعْبَةَ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَمِّي، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، إِلَّا كَانَ زَائِرَ اللهِ عز وجل، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ.

وفي هذا الإسناد سعيد بن يحيى بن شعبة الأموي، والراجح أن هذا تحريف من النسخة، والصواب: سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، وقد وثّق، لكن قال فيه ابن حبان رحمه الله تعالى:

” سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان الأموي، القرشي كنيته أبو عثمان، يروى عن: ابن المبارك … ربما أخطأ ” انتهى. “الثقات” (8 / 270).

وعمه: هو محمد بن سعيد بن أبان، نص على توثيقه الدارقطني في “العلل” (11 / 21).

لكن ورد من طرق أصح وأثبت، عن سليمان التيمي وداود بن أبي هند، موقوفا؛ من كلام سلمان رضي الله عنه.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” قال أبو موسى: ورواه سليمان التيمي وداود بن أبي هند وعوف، عن أبي عثمان، عن سلمان موقوفا، لا مرفوعا ” انتهى. “فتح الباري” (6 / 54).

رواه عن سليمان التيمي يزيد بن زريع، ويحيى بن سعيد.

فرواه محمد المروزي في زوائده على “الطهور لأبي عبيد” (ص 98)، قال: حَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: ” مَا مِنْ رَجُلٍ ، أَوْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ، يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدًا لَا يَأْتِيهِ إِلَّا لِعِبَادَةٍ ، إِلَّا كَانَ زَائِرًا لِلَّهِ ، عز وجل ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ “.

وفي “الزهد” للإمام أحمد (ص125)، قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: ” مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَلَا يَأْتِيهِ إِلَّا لِعِبَادَةٍ، إِلَّا كَانَ زَائِرًا لِلَّهِ عز وجل، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ كَرَامَةُ الزَّائِرِ “.

ورواه عن داود بن أبي هند: أبو شهاب الحناط، وأبو معاوية.

كما في زوائد محمد المروزي على “الطهور لأبي عبيد” (ص 103 )، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: ” إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ ، يُصَلِّيَ فِيهِ ، فَهُوَ زَائِرٌ لِلَّهِ عز وجل ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ “.

وعند هناد بن السري في “الزهد” (2 / 471)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: “مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ كَانَ لِلَّهِ زَائِرًا وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ “.

ورواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (19 / 361)، قال حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد ليصلي فيه كان زائر اللَّه، وحق على المزور أن يكرم زائره”.

فهذه طرق متضافرة تقطع بأن هذا الخبر إنما هو عن سلمان رضي الله عنه موقوفا عليه.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

” وقال [ أبو طاهر السِّلَفي في “جزء من حديثه ” (17 / 1) ]: ” … والمحفوظ من حديث أبي عثمان موقوفا على سلمان ” انتهى. “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (3 / 158).

ثانيا:

وجاء مرفوعا أيضا من حديث ابن مسعود، عند الطبراني في “المعجم الكبير” (10 / 199)، قال: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ حَمْدَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ بُيُوتَ اللهِ فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَ.

وفي إسناده عبد الله الكرماني وهو ضعيف.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

” رواه الطبراني في “الكبير” وفيه عبد الله بن يعقوب الكرماني، وهو ضعيف ” انتهى. “مجمع الزوائد” (2 / 22).

وقد ورد بطرق أصح وأثبت عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون موقوفا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذا رواه شعبة، ومعمر، ويونس ابن أبي إسحاق، وعبد الرحمن المسعودي كلهم عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون.

فرواه مسدّد كما في “المطالب العالية” (3 / 465)، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن سعيد القطان، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: ” إن المساجد بيوت الله في الأرض “.

ورواه ابن المبارك في “الزهد” (الملحق/ 2): أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: ” إِنَّ بُيُوتَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكرِمُ مَنْ زَارَهُ فِيهَا “.

ورواه عبد الرزاق في “التفسير” (2 / 443): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَقُولُونَ: ” إِنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ فِيهَا “.

ومن طريقه أخرجه البيهقي في “شعب الإيمان” (4 / 378 ).

وصححه المنذري في “الترغيب والترهيب” (1 / 135)، والعراقي في “تخريج الاحياء- بهامش الاحياء” (1 / 152).

فهذه الطرق تثبت صحة هذا الخبر موقوفا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثا:

وهذا الخبر الموقوف من كلام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يشهد له ما رواه البخاري (662) ومسلم (669) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:   مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ .

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” الغدو: يكون من أول النهار، والرواح: يكون من آخره بعد الزوال، وقد يعبر بأحدهما عن الخروج والمشي، سواء كان قبل الزوال أو بعده …

ومعنى الحديث: أن من خرج إلى المسجد للصلاة، فإنه زائر الله تعالى، والله يعد له نزلا من المسجد، كلّما انطلق إلى المسجد، سواء كان في أول النهار أو آخره.

والنزل: هو ما يعد للضيف عند نزوله من الكرامة والتحفة ” انتهى. “فتح الباري” (6 / 53).

والله أعلم.

 

أحكام المساجد فضائل الأعمال
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب