كيف تصلي النساء صلاة الخوف في الجماعة إذا كانت مع الرجال؟
الحمد لله.
أولا:
تشرع صلاة الخوف، إذا كان المسلمون في مُصافَّة العدو؛ أي: كانت صفوف المسلمين في مواجهة صفوف العدو، أو كانوا يخافون هجومه بغتة للمسلمين؛ لقوله تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا النساء/102.
ولصلاة الخوف، صفات كثيرة، أيها فعل المسلمون جاز.
وعلى الإمام أن يختار من الصفات ما هو أنسب للحال ، مما يحقق المصلحة، وهي الاحتياط للصلاة، مع كمال التحفظ والاحتراس من العدو.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله في "معالم السنن" (1/ 269): " صلاة الخوف أنواع وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وعلى أشكال متباينة يتوخى في كلًّ ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة وهي على اختلاف صورها مؤتلفة في المعاني" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (36896)، ورقم: (257434).
ثانيا:
إذا كان مع الجيش نساء، فيجوز أن يصلين جماعة بأنفسهن، أو منفردات؛ لعدم وجوب الجماعة عليهن، ويجوز أن يصلين مع الرجال، حتى لو صلى الرجال صلاة الخوف، ويكون موضع صلاتهن: خلف صفوف الرجال.
فلو كان العدو في غير اتجاه القبلة، فيقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، طائفة تصلّي معه، وطائفة أمام العدو، لئلا يهجم على المسلمين، فيصلّي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم أي: نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإِمام لا يزال قائماً، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الثانية أمام العدو.
فلا حرج أن يكون مع هذه الطائفة نساء يقفن خلف الرجال، فإذا صلين ركعة قمن في مكانهن فأتممن لأنفسهن، ثم انصرفن مع الطائفة إلى جهة العدو، وجاءت الطائفة الثانية ودخلت مع الإِمام في الركعة الثانية، فيصلّي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قامت هذه الطائفة من السجود وأكملت الركعة التي بقيت، وأدركت الإِمام في التشهد فيسلم بهم .
ولا حرج أن يكون مع هذه الطائفة نساء، فيقفن خلف الرجال، ويفعلن ما ذكر من صلاة ركعة مع الإمام، ثم ركعة لأنفسهن، ثم يدركنه في التشهد والسلام.
وهكذا في بقية صفات صلاة الخوف.
ولم نقف على كلام للفقهاء في هذه المسألة، ولعل هذا لندرة حضور النساء لهذا الموطن، أو لأن اندراجهن في الأحكام معلوم، فيصلين مع الطائفة الأولى أو الثانية، أو يصلين جماعة خاصة بهن أو منفردات، لا سيما والنساء إذا شاركن في المعركة، فإنهن يكن – في العادة - بعيدا عن موضع القتال، يصنعن الطعام، ويداوين الجرحى ونحو ذلك.
لكن لو قُدّر وجودهن قريبا من القتال، واحتاج الجيش لصلاة الخوف، فليس هناك ما يمنع من صلاتهن على النحو الذي ذكرنا، فالنساء تبع للرجال، وقد جاء في خبر تحويل القبلة في المدينة أنهم استداروا إلى الكعبة، وتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء.
قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (1/185): " وخرَّج الأثرم وابن أبي حاتم من حديث تويلة بنت أسلم قالت: صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلينا سجدتين [أي ركعتين] ، ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استقبل البيت الحرام، فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلو البيت الحرام" انتهى.
وقال العلامة سليمان الجمل في "حاشيته على شرح المنهج" (1/313): " وذلك أن الإمام تحول من مقامه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد؛ لأن من استقبل الكعبة بالمدينة فقد استدبر بيت المقدس، وهو لو دار مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، فلما تحول الإمام، تحولت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحولت النساء حتى صاروا خلف الرجال" انتهى.
فهذا من نفس الجنس، أي صلاتهن مع الرجال، ثم جريان ما يجري على الرجال عليهن.
وكذلك صلاة شدة الخوف، وهي في حال التحام القتال، أو الهرب من سيل أو سبع، أو لخوف فوت الوقوف بعرفة، فإن المرأة كالرجل، فإذا خافت خروج الوقت، ولم تكن الصلاة تجمع مع ما بعدها؛ صلت صلاة شدة الخوف، منفردة.
قال في "منار السبيل" (1/139) : "(وإذا اشتد الخوف صلَّوْا رجالاً، وركباناً للقبلة، وغيرها، ولا يلزم افتتاحها إليها)؛ للآية. وقال ابن عمر: فإن كان الخوف أشد من ذلك، صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم، وركباناً مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها. متفق عليه. زاد البخاري: قال نافع: لا أرى ابن عمر قال ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(يومئون طاقتهم) لأنهم لو أتموا الركوع والسجود، لكانوا هدفاً لأسلحة العدو، معرضين أنفسهم للهلاك.
(وكذا في حالة الهرب من عدو، إذا كان الهرب مباحاً، أو سيل، أو سبُع، أو نار، أو غريم ظالم، أو خوف فوت وقت الوقوف بعرفة، أو خاف على نفسه، أو أهله، أو ماله، أو ذب عن ذلك، وعن نفس غيره)؛ لما في ذلك كله من الضرر. ونص عليه أحمد في الأسير إذا هرب. ومثله إن خاف فوت عدو يطلبه، لقول عبد الله بن أنيس: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى خالد بن سفيان الهذلي، قال: اذهب فاقتله، فرأيته، وقد حضرت صلاة العصر، فقلت: إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة، فانطلقت وأنا أصلي؛ أومئ إيماء نحوه. رواه أحمد، وأبو داود" انتهى.
والحاصل: أن للنساء أن يصلين صلاة الخوف مع الرجال، إن دعت الحاجة لذلك، وأن للمرأة أن تصلي صلاة شدة الخوف حيث جاز ذلك، كالرجل.
والله أعلم.