إذا استأجر شخص أرضا من شخص آخر، ثم قام بزراعتها بغراس وثمار، وبعد سنوات أراد صاحب الأرض استرجاعها، فهل يجوز للمستأجر أن يطلب ثمن الأشجار التي زرعها؟
الحمد لله.
من استأجر أرضا للزراعة، ثم بعد مدة أراد صاحب الأرض أرضه، فله حالان:
الأولى: أن يكون عقد الإجارة غير محدد المدة، فهذا عقد فاسد، يلزم فسخه، ويلزم صاحب الشجر قلع شجره، وتسوية الأرض.
وذلك أنه يشترط لصحة الإجارة تحديد المدة، فإن لم تحدد كان العقد فاسدا، ووجب فسخه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (10/33) : " اتفق الفقهاء على أن الإجارة لا تصح إلا مؤقتة بمدة معينة , أو بوقوعها على عمل معلوم . فمن الأول : إجارة الأرض أو الدور أو الدواب والأجير الخاص ، ومن الثاني: الاستئجار على عمل كخياطة ثوب مثلا , وهو الأجير المشترك " انتهى.
الحال الثانية: أن تكون الإجارة محددة المدة، فهذه إجارة صحيحة، فإن لم تنقض المدة فليس للمالك إخراج المستأجر، إلا برضاه.
وإن انقضت المدة لزم المستأجر قلع شجره، عند الجمهور، وقال الحنابلة: لا يلزمه قلع الشجر إلا بالشرط عليه عند العقد.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/ 363): " إذا أجره للغراس سنة، صح؛ لأنه يمكنه تسليم منفعتها المباحة المقصودة، فأشبهت سائر المنافع، وسواء شرط قلع الغراس عند انقضاء المدة، أو أطلق.
وله أن يغرس قبل انقضاء المدة، فإذا انقضت، لم يكن له أن يغرس؛ لزوال عقده.
فإذا انقضت السنة، وكان قد شرط القلع عند انقضائها، لزمه ذلك وفاء بموجب شرطه، وليس على صاحب الأرض غرامة نقصه، ولا على المكتري تسوية الحفر وإصلاح الأرض؛ لأنهما دخلا على هذا، لرضاهما بالقلع، واشتراطهما عليه
وإن اتفقا على إبقائه بأجر أو غيره، جاز إذا شرطا مدة معلومة.
وكذلك لو اكترى الأرض سنة بعد سنة، كلما انقضى عقد جدد آخر، جاز.
وإن أطلق العقد [أي من غير شرط قلع الشجر]، فللمكتري القلع؛ لأن الغرس ملكه، فله أخذه، كطعامه من الدار التي باعها.
وإذا قلع، فعليه تسوية الحفر؛ لأنه نقص دخل على ملك غيره بغير إذنه.
وهكذا إن قلعه قبل انقضاء المدة هاهنا، وفي التي قبلها؛ لأن القلع قبل الوقت لم يأذن فيه المالك، ولأنه تصرف في الأرض تصرفا نقصها، لم يقتضه عقد الإجارة.
وإن أبى القلع، لم يجبر عليه، إلا أن يضمن له المالك نقص غرسه، فيجبر حينئذ. وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة، ومالك: عليه القلع من غير ضمان النقص له؛ لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي التفريغ عند انقضائها، كما لو استأجرها للزرع.
ولنا، قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ليس لعرق ظالم حق» . مفهومه أن ما ليس بظالم له حق. وهذا ليس بظالم، ولأنه غرس بإذن المالك، ولم يشرط قلعه، فلم يجبر على القلع من غير ضمان النقص، كما لو استعار منه أرضا للغرس مدة، فرجع قبل انقضائها…
إذا ثبت هذا، فإن رب الأرض يخير بين ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يدفع قيمة الغراس والبناء، فيملكه مع أرضه.
والثاني: أن يقلع الغراس والبناء، ويضمن أرش نقصه.
والثالث، أن يقر الغراس والبناء، ويأخذ منه أجر المثل. [أي مقابل إبقائه]، وبهذا قال الشافعي.
وقال مالك: يخير بين دفع قيمته فيملكه، وبين مطالبته بالقلع من غير ضمان، وبين تركه، فيكونان شريكين. وليس بصحيح؛ لأن الغراس ملك لغارسه، لم يدفع إليه عنه عوض، ولا رضي بزوال ملكه عنه فلا يزول عنه، كسائر الغرس
وإن اتفقا على بيع الغراس والبناء للمالك، جاز.
وإن باعهما صاحبهما لغير مالك الأرض، جاز، ومشتريهما يقوم فيهما مقام البائع" انتهى.
وقال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 274): "(وإذا انقضت) أي: انتهت (مدة إجارة أرض وبها غراس أو بناء لم يشترط) في الإجارة (قلعه) عند انقضاء المدة (أو شرط) على رب أرض (بقاؤه) أي: الغراس أو البناء في الأرض بعد انقضاء المدة (خير مالكها) أي: الأرض (بين أخذه) أي: تملك غراس أو بناء (بقيمته) بأن تقوم الأرض مغروسة أو مبنية ثم خالية منهما فما بينهما قيمته (أو تركه) أي: الغراس أو البناء (بأجرته) أي: أجرة مثله (أو قلعه) جبرا (وضمان نقصه) أي: الغراس أو البناء؛ لأن فيه جمعا بين الحقين وإزالة ضرر المالكين، فلا أثر لاشتراط المستأجر تبقية غرسه أو بنائه (ما لم يقلعه) أي: الغراس أو البناء (مالكه) عند انقضاء المدة. فإن أراده فليس لرب الأرض منعه منه؛ لأنه ملكه" انتهى.
والحاصل أن المستأجر ليس له أن يطلب ثمن الشجر إلا بالتراضي مع المالك.
والله أعلم.