أبي يضع أمواله في البنوك لأخذ فائدة شهرية، ويقوم بإنفاقها علينا، وأنا أقوم بالاستثمار في البورصة في الأسهم المباحة، وأربح شهريا، ولهذا عرضت على أبي أن أخد هذا المبلغ من المال في مقابل أن أعطيه ربحا شهريا معينا، وأبلغته أن الاستثمار يكون فيه نوع من المخاطرة المكسب أو الخسارة، ووافق بشرط أن يشاركني في الربح، وعند الخسارة أن لا يستمر ويأخذ راس المال.
فهل هذا يجوز؟ وهل يجوز أن أخفي عليه في الخسارة وإعطائه من مالي الخاص إلا أن أقوم بالتعويض خشية أن يأخذ رأس الأموال ويعيدها إلى البنوك التي نخشى أن تكون من الربا والتي يصرفها علينا؟
الحمد لله.
أولا:
يجوز أن تستثمر مال والدك في شيء مباح، مقابل نسبة معلومة من الربح، كأن يكون له 50% ولك 50%.
ويجوز الاتفاق على إيقاف الاستثمار عند حصول الخسارة، ويتحمل الطرفان الخسارة بنسبة مالهم، فإن كنت تشارك بالمجهود فقط فالخسارة على رب المال وهو والدك.
ولا يجوز اشتراط عدم الخسارة، لكن لك أن تتبرع بتعويضه عن الربح، أو أن تتحمل عنه الخسارة عند حصولها، إذا لم يكن ذلك عن شرط سابق، أو وعد، أو تعارف بين صاحب المال والمضارب.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” متى شرط على المضارب [العامل] ضمان المال , أو سهماً من الوضيعة [يعني: جزءً من الخسارة] : فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافا والعقد صحيح. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة , ومالك.
وروي عن أحمد أن العقد يفسد به. وحكي ذلك عن الشافعي ; لأنه شرط فاسد , فأفسد المضاربة , والمذهب الأول ” انتهى من “المغني” (5/ 40).
وقال ابن رشد المالكي في بيان الشروط الفاسدة في المضاربة: “ومنها إذا شرط رب المال الضمان على العامل، فقال مالك: لا يجوز القراض، وهو فاسد، وبه قال الشافعي …
وعمدة مالك أن اشتراط الضمان: زيادة غرر في القراض؛ ففسد” انتهى من “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” (2/ 199).
وقال الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله: ” تطوع المضارب بالضمان …
يكون محرماً إذا كان مشروطاً في العقد، أو متعارفا عليه، أو أعلن البنك أمام المستثمرين قبل العقد تبرعه بذلك ” انتهى من ” الخدمات الاستثمارية في المصارف ” (2/ 139).
وما تأخذه من أبيك لا يسمى اقتراضا كما جاء في عنوان سؤالك، وإنما هو مضاربة إن كنت تشارك معه بمجهودك فقط، وشركة عنان إن كنت تشارك بمجهودك ومالك.
واجتهد في أن تقنع والدك بأن المضاربة والتجارة تقوم على الربح والخسارة، أن ربح هذه، يعوض الخسارة في تلك؛ وما زال أمر الناس على ذلك.
فإن رأيت أنه لن يتقبل بذلك، فاجتهد في أن تقنعه في استثماره ماله في وعاء ضعيف المخاطرة، وإن كان عائده قليلا، كالاستثمار العقاري، مثلا، إذا كان هناك طريق آمن له. أو الاستثمار في الذهب، ونحو ذلك.
ثانيا:
يجوز الاستثمار في الأسهم إذا كانت أسهما نقية، والأسهم النقية: أسهم الشركات ذات النشاط المباح، بشرط ألا تكون تقترض بالربا، أو تودع أموالها أو جزءا منها بالربا، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال نشرة الإصدار، والقوائم المالية للشركة.
ويحرم الاتجار في الأسهم المحرمة، والمختلطة.
والسهم المحرم: سهم الشركة ذات النشاط المحرم، كأسهم البنوك الربوية، وشركات الخمور، أو السجائر، أو نحو ذلك.
والسهم المختلط: سهم الشركة ذات النشاط المباح، كشركات الأدوية، والبترول، والكهرباء، إذا كانت تقترض بالربا، أو تودع بالربا.
وقد صدر قراران من مجمعي الفقه الإسلامي بتحريم التعامل بالأسهم المختلطة، وينظر: جواب السؤال رقم: (112445).
ثالثا:
يحرم إيداع المال في البنك الربوي بفائدة، سواء سمي ذلك ودائع، أو شهادات استثمار، أو غير ذلك.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (13/ 346): ” لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد، أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
لكن إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا،: فإنه يرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية، بدون فوائد، محافظة عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين ” انتهى.
والله أعلم.