ما الحكم الشرعي للمذاهب الفقهية الأربعة في إبراء ناظر الوقف لمستأجر الوقف من الأجرة، بأن أعفاه من دفعها، هل أجازه أحد من الفقهاء؟ وهل للموقوف عليهم مطالبة المستأجر حينئذ بالأجرة؟ أم تصح هذه البراءة على المذاهب الأربعة؟
الحمد لله.
لا يجوز لناظر الوقف إبراء مستأجر الوقف من الأجرة؛ وذلك أنه مؤتمن عليها، ومن كان مؤتمنا على شي، فإنه يتصرف وَفْق المصلحة والأحظ، وليس وفق رغبته.
قال الشيخ محمد بن سالم الشنقيطي رحمه الله:
“الناظر يجب عليه أن يفعل ما هو الأصلح لجهة الوقف، ولا شك أن هذا هو الأصل كوصي الأيتام.
ويعتبر كونُ الكِراء [=أجرة العين الموقوفة] كراءَ المثلِ وقتَ عقد الإجارة” انتهى من “لوامع الدرر في هتك أستار المختصر” (11/ 453)
وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز لناظر الوقف أن يؤجر بأقل من أجرة المثل، فمن باب أولى لا يجوز له التنازل عن الأجرة.
جاء في “مدونة أحكام الوقف الفقهية” (2/ 545):
اختلف الفقهاء فيما يترتب على إجارة الناظر للوقف بأقل من أجرة المثل على قولين:
القول الأول: الناظر يضمن النقص عن أجرة المثل، وإليه ذهب الحنابلة؛ قال ابن رجب الحنبلي بعد أن تكلم عن بيع الوكيل بدون ثمن المثل: “فصحَّحناه، وضَمَّناه النقص، ومثله إجارة الناظر للوقف بدون أجرة المثل”.
القول الثاني: يلزم المستأجر تمام أجر المثل، وإليه ذهب الحنفية والحنابلة، قال في الفتاوى الهندية من كتب الحنفية، نقلا عن الفصول العمادية: “لو أجر القيم الدار بأقل من أجر المثل، قدرَ ما لا يتغابن الناس فيه .. فسكنها المستأجر= كان عليه أجر المثل؛ بالغًا ما بلغ، على ما اختاره المتأخرون، وكذا إذا آجره إجارة فاسدة”.
وعند الحنابلة: لو أجَّر ناظر الوقف العين الموقوفة بأنقصَ من أجرة المثل؛ صحَّ عقدُ الإجارة، وضمِن ناظرُ الوقف النقصَ الذي لا يُتغابَن به في العادة، إن كان المستحِقُّ غيره؛ لأنه يتصرَّف في مال غيره على وجه الحظ؛ فضمن ما نقصه بعقده، كالوكيل إذا باع أو أجر بدون ثمن أو أجر المثل.
القول الثالث: فيه تفصيل؛ إذا أكرى الناظر العين الموقوفة بأقل من أجرة المثل؛ ضمن تمام أجرة المثل إن كان مليًّا، وإلا رجع على المستأجر؛ لأنه مباشر، وذلك عند المالكية” انتهى
والحاصل:
أن الناظر لا يحق له أن يؤجر بأقل من أجرة المثل، وإن فعل فيرى بعضُهم بُطلان العقد، ويرى آخرون صحة العقد وإلزامه بضمان النقص.
وإذا تقرر عدم جواز ذلك في الإجارة، فمن باب أولى ألا يجوز له إبراء المستأجرين من الأجرة.
قال برهان الدين البخاري رحمه الله
“وليس للقيم أن يسكن فيها أحداً بغير أجر؛ لأنه إتلاف منافع الوقف بغير عوض” انتهى من “المحيط البرهاني” (6/ 140).
ولمزيد تفصيل وبيان انظر: “الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا، د. خالد المشيقح” (371-391).
والله أعلم.