عند التفكير في شراء عقار في أوروبا بدون اللجوء إلى قرض يتضمن فوائد ربوية، يُطرح خيار \”البيع بالأجل\” كأحد الحلول الممكنة.
في هذا النوع من العقود:
– يُحدد سعر مبدئي، ويتم دفع دفعة مقدمة على سبيل المثال 20% من قيمة العقار، ثم تُدفع أقساط شهرية لمدة محددة، على سبيل المثال 10 سنوات بدون الحاجة إلى التعامل مع بنك.
– في المقابل، يشمل هذا النوع من البيع عادةً شرطًا يُحتفظ فيه البائع بحق الانتفاع بالعقار حتى تاريخ أو حدث معين، عادةً حتى وفاته.
– بالنسبة للأقساط الشهرية، فإنها تُربط سنويًا بمؤشر يتم تحديده من قبل جهة مستقلة لتقييم تكاليف المعيشة، على سبيل المثال، زيادة أو نقصان بنسبة 1.5% سنويًا.
– يُصبح المشتري مالكًا قانونيًا للعقار عند انتهاء المدة المتفق عليها بين الطرفين، سواءً بانتهاء الدفعات أو بانتهاء حق البائع في الانتفاع طوعًا أو بسبب الوفاة.
في هذا النظام، حيث قد يختلف السعر النهائي قليلاً عن السعر المبدئي بسبب هذه المؤشرات، هل يشكل هذا إشكالًا بشأن معرفة ثمن السلعة قبل الشراء؟ وهل يُعد ذلك نوعًا من الغرر أو المجازفة الممنوعة؟ وهل في ذلك أي صورة من صور الظلم أو الإجحاف؟
وفي الختام، هل يجوز اللجوء إلى هذا النوع من العقود، والاتفاق مع البائع على سعر ـ يتغير كما ذكرنا ـ مقابل منحه الحق في السكن في العقار حتى نهاية حياتهـ مع ضمان ملكية المشتري الكاملة عند حلول الأجل؟
وما هي الشروط الشرعية والقانونية التي يجب توفرها لضمان صحة هذا النوع من الاتفاقات لتفادي أي شكل من أشكال الظلم؟
الحمد لله.
أولا:
يجوز البيع الآجل أو البيع بالتقسيط ولو كان الثمن أعلى من الثمن الحال.
ويشترط لذلك شروط سبق بيانها في جواب السؤال رقم: (506391).
ثانيا:
يجوز للبائع استثناء مدة معلومة للانتفاع بالمبيع، على الراجح، كأن يبيع العقار ويشترط الانتفاع به سنة مثلا.
فإن كانت المدة مجهولة لم يصح البيع؛ لوجود الجهالة والغرر.
وقد روى أبو داود (3405)، والنسائي (3880)، والترمذي (1290) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الثُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ» وصححه الألباني، وأصل الحديث في مسلم دون لفظ: "إلا أن تعلم".
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/73): " ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة، مثل أن يبيع دارا، ويستثني سكناها شهرا، أو جملا، ويشترط ظهره إلى مكان معلوم، أو عبدا، ويستثني خدمته سنة. نص على هذا أحمد. وهو قول الأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر.
وقال الشافعي، وأصحاب الرأي: لا يصح الشرط؛ «لنهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن بيع وشرط»، ولأنه ينافي مقتضى البيع، فأشبه ما لو شرط ألا يسلمه، وذلك؛ لأنه شرط تأخير تسليم المبيع إلى أن يستوفي البائع منفعته، ولأن مقتضى البيع ملك المبيع ومنافعه، وهذا شرط ينافيه…
ولنا: ما روى جابر: «أنه باع النبي – صلى الله عليه وسلم – جملا، واشترط ظهره إلى المدينة». وفي لفظ قال: «فبعته بأوقية، واستثنيت حُمْلانه إلى أهلي» متفق عليه. وفي لفظ «قال: فبعته منه بخمس أواق، قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة. قال: ولك ظهره إلى المدينة» رواه مسلم.
ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم -: نهى عن الثنيا إلا أن تعلم؛ وهذه معلومة.
ولأن المنفعة قد تقع مستثناة بالشرع على المشتري، فيما إذا اشترى نخلة مؤبرة، أو أرضا مزروعة، أو دارا مؤجرة، أو أمة مزوجة، فجاز أن يستثنيها، كما لو اشترط البائع الثمرة قبل التأبير.
ولم يصح نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن بيع وشرط؛ وإنما نهى عن شرطين في بيع. فمفهومه: إباحة الشرط الواحد.
وقياسهم ينتقض باشتراط الخيار والتأجيل في الثمن" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (31/ 7): " اختلف الفقهاء في صحة اشتراط تأجيل تسليم (العين) إلى المنقول إليه ملكيتها، مدةً معلومة للانتفاع بها، على رأيين:
الأول: يرى المالكية والحنابلة، وهو رأي مرجوح في مذهب الشافعية: أنه يجوز أن يشترط تأجيل تسليم العين إلى المدة التي يحددها المتعاقدان، وأن يكون المنتفِع بها هو الناقل للملكية، وهذا الرأي منقول عن الأوزاعي، وابن شبرمة، وإسحاق، وأبي ثور.
ومن أمثلته: إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا، ثم يسلمها إليه، أو أرضا على أن يزرعها سنة، أو دابة على أن يركبها شهرا، أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا.
واستدل لهذا الرأي بأن عموم الآيات والأحاديث تأمر بالوفاء بالعقود. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. . .}، وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}، وقال عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما).
فالآيات والأحاديث تأمر بالوفاء بكل عقد وشرط لا يخالف كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبخصوص ما روي عن جابر رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل قد أعيا، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم، فسار سيرا لم يسر مثله. فقال: بعنيه. فبعته واستثنيت حُمْلانه إلى أهلي. متفق عليه.
فهذا الحديث يدل على جواز اشتراط تأجيل تسليم المبيع فترة ينتفع فيها البائع به، ثم يسلمه إلى المشتري.
ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الثُّنْيا، أي: الاستثناء، إلا أن تعلم؛ وهذه معلومة.
وأكثر ما فيه تأخير تسليم المبيع مدة معلومة؛ فصح.
الثاني: يرى الحنفية، وهو الراجح عند الشافعية، عدم صحة اشتراط تأجيل تسليم العين.
واستدلوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط، وروي أن عبد الله بن مسعود اشترى جارية من امرأته زينب الثقفية، وشرطت عليه أنك إن بعتها فهي لي بالثمن. فاستفتى عمر رضي الله عنه، فقال " لا تقربها وفيها شرط لأحد"، وروي أن عبد الله بن مسعود اشترى جارية واشترط خدمتها، فقال له عمر: لا تقربها وفيها مثنوية " انتهى.
والحاصل:
أنه يجوز للبائع أن يشترط الانتفاع بالعين المبيعة، مدة معلومة.
فإذا كان الشرط إلى مدة مجهولة، كانتفاعه بالعين إلى وفاته، على ما ذكر في صورة السؤال: لم يصح ذلك باتفاق الفقهاء؛ لأن أجل الموت مجهول، فلم يصح تعليق الانتفاع بالعين عليه.
وكذا لو اشترط الانتفاع إلى أجل معلوم، أو الوفاة، أيهما أقرب، فهذه جهالة لا يجوز اشتراطها.
ثالثا:
لا يجوز ربط الأقساط بمؤشر؛ لما يؤدي إليه من جهالة الثمن عند العقد.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التضخم:
" ثالثا: لا يجوز شرعا الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي:
أ ـ الربط بعملة حسابية.
ب ـ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة أو غيره من المؤشرات.
جـ ـ الربط بالذهب والفضة.
د ـ الربط بسعر سلعة معينة.
هـ ـ الربط بمعدل نمو الناتج القومي.
و ـ الربط بعملة أخرى.
ز ـ الربط بسعر الفائدة.
ح ـ الربط بمعدل أسعار سلة من السلع.
وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير، وجهالة فاحشة، بحيث لا يَعْرف كل طرف ما له وما عليه، فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود.
وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد، فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة، وما يطلب أداؤه؛ و[هو] مشروط في العقد، فهو ربا" انتهى من "قرارات وتوصيات مجمع الفقه" ص 201 ترقيم الشاملة.
وعليه؛ فلا يجوز شراء العقار بالطريقة المذكورة لاشتمالها على محذورين:
1-استثناء مدة غير معلومة ينتفع فيها المالك بالعقار.
2-ربط الأقساط بمؤشر.
والله أعلم.