ما هو رأي أهل العلم في إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكبير؟ وهل يحتج برأيه؟
السُّدِّيّ الكبير إسماعيل بن عبد الرّحمن، تابعي من أهل العلم بالتفسير وروايته، وله شأن كبير في هذا العلم.
فما يذكره من تفسير من قوله واجتهاده، فهو كسائر تفاسير التابعين يستأنس بها، وتكون حجة عند اجماعهم واتفاقهم، أما عند اختلافهم فيرجح بينها.
وأما مروياته وخاصة التفسيرية، فالراجح في حاله أنه وإن لم يبلغ الدرجة العالية في التوثيق، إلّا أنّه صدوق، ومثله في معرفته بالتفسير وتقوية بعض كبار الأئمة لشأنه، فإنه تقبل روايته ولا تطرح؛ إلا إذا وجد فيمن قبله أو بعده في السند ضعف أو انقطاع، أو وجد في الخبر شذوذ أو نكارة.
الحمد لله.
أولا:
السُّدِّيّ الكبير، هو تابعي مفسر، أصله من الحجاز، وأقام بالكوفة، روى عنه جمع من أئمة الرواة، واسمه:
" إسماعيل بن عبد الرّحمن الأعور السُّدِّي الكوفي، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة من بني عبد مناف، قرشي.
سمع: أنسا، ومرة الهمداني. سمع منه: شعبة، والثوري، وزائدة " انتهى من "التاريخ الكبير" (1 / 361).
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، الأعور، مولى زينب بنت قيس ابن مخرمة.
أصله حجازي يعد في الكوفيين.
روى عن: أنس بن مالك، وعبد خير. سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك.
سمعت أبي يقول: روى عن السدي: سماك بن حرب، وإسماعيل بن أبي خالد، وعيسى بن عمر الهمداني، وسليمان التيمي، وعثمان بن ثابت، ومالك بن مغول، وسفيان الثوري، وشعبة، وزائدة، وزيد بن أبي أنيسة، وزياد بن خيثمة، وأبو اسرائيل الملائي، وإسرائيل بن يونس، وحسن وعلى ابنا صالح، وشريك بن عبد الله، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، وأبو بكر بن عياش… " انتهى. "الجرح والتعديل" (2 / 184).
وهو من أئمة التفسير ورواته.
قال العجلي رحمه الله تعالى:
"إسماعيل السدي: كوفي، ثقة … عالم بتفسير القرآن، راوية له" "معرفة الثقات" (1 / 227).
ثانيا:
تفسيره الذي لا يسنده إلى أحد: يظهر أنه من قوله واجتهاد منه، وهو من أئمة التفسير الذي ينقل قولهم، ويعتبر به، وما زال أئمة المفسرين على نقل قوله، واعتماده في تفاسيرهم.
وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن الأئمة الذين اعتنت الأمة بتفاسيرهم، قال رحمه الله تعالى:
"… ولا ذكر هذا أحد عن الصحابة الذين فسروا القرآن وبينوا معانيه، وما يدل في كل موضع. فليس منهم أحد قال: هذا اللفظ حقيقة؛ وهذا مجاز، ولا ما يشبه ذلك؛ لا ابن مسعود وأصحابه، ولا ابن عباس وأصحابه، ولا زيد بن ثابت وأصحابه، ولا من بعدهم، ولا مجاهد، ولا سعيد بن جبير، ولا عكرمة، ولا الضحاك، ولا طاوس، ولا السدي، ولا قتادة، ولا غير هؤلاء …" انتهى. "مجموع الفتاوى" (20 / 451).
والثناء عليه في هذا الباب قديم.
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:
" قال لنا مسدد: حدّثنا يحيى، قال سمعت ابن أبي خالد يقول: السدي أعلم بالقرآن من الشّعبيّ " انتهى. "التاريخ الكبير" (1 / 361).
وابن أبي خالد وهو إسماعيل من أئمة أهل الكوفة في الحديث، قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى: " أجمعوا على إتقانه، والاحتجاج به، ولم يُنبز بتشيّع، ولا بدعة – ولله الحمد – " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (6 / 177).
فالثناء الصادر من إمام مثل هذا في حق السدي له وزن كبير، وهو من أهل بلده عالم بحاله.
وما رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1 / 88)، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " قَدِمْتُ الْكُوفَةَ، فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَحَدَّثَنِي بِهَا. فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ".
فإبراهيم بن يعقوب في السند: هو الجوزجاني صاحب كتاب "أحوال الرجال"، وقد ساق هذه الراوية في كتابه (ص 67)، ولم ينص على سماعها من علي بن الحسين، بل قال حُدِّثت، حيث قال رحمه الله تعالى:
" حُدِّثتُ عن علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، قال: قدمت الكوفة ومنيتي لقي السدي فأتيته فسألته عن تفسير سبعين آية من كتاب الله تعالى، فحدثني بها، فلم أقم من مجلسي حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فلم أعد إليه " انتهى.
ونرى ابن خلفون لم يقطع بصحة هذه الحادثة، حيث قال مغلطاي رحمه الله تعالى:
" وفي كتاب "الثقات" لابن خلفون، يقال: كان أبوه ملك أصبهان، وذكر عن الحسين بن واقد قال: أتيت السدي فسألته عن تفسير سبعين آية فحدثني بها فلم أرم مجلسي حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فلم أعد إليه.
قال ابن خلفون: وهو عندي في الطبقة الثالثة من المحدثين، وإن صح ما ذكره عنه الحسين، فلا ينبغي لأحد عندي إخراج حديثه " انتهى. "إكمال تهذيب الكمال" (2 / 189).
وسائر أئمة الحديث والجرح والتعديل على مر العصور غير ملتفتين إلى هذه التهمة.
فنجد الإمام أحمد مع إمامته في السنة، وحزمه في معاملة أهل البدع، وكذا غيره من الأئمة: لا يختلفون فيه إلا في جهة الضبط، كما سيأتي، ونرى الإمام البخاري لم يورد فيه طعنا، بل ساق فيه كلام يحيى بن سعيد القطان الذي فيه ثناء الناس عليه.
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:
" قال علي: وسمعت يحيى يقول: ما رأيت أحدا يذكر السدي إلا بخير وما تركه أحد " انتهى. "التاريخ الكبير" (1 / 361).
ومما يشير إلى براءته من تهمة الغلو في التشيع، ومن تهمة شتمه للشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ما رواه هو نفسه من مرويات تدفع الغلو في التشيع.
كمثل ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (18/ 82)، قال: حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: صَعِدَ عَلِيٌّ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: ( اللَّهُمَّ الْعَنْ كُلَّ مُبْغِضٍ لَنَا، قَالَ: وَكُلَّ مُحِبٍّ لَنَا غَالٍ ).
وروى ابن أبي شيبة أيضا في "المصنف" (20 / 123): عن وَكِيع، و ابْن مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: ( رحمة اللَّهِ على أَبي بَكْرٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ ).
فالحاصل: أن تفسيره لا يردّ ولا يطرح، بمجرد كونه أنه هو قائله، بل هو إمام فيه، وهو كسائر تفاسير التابعين، بل كسائر أئمة الاجتهاد في اجتهاداتهم، لا يزال الناس يأخذون بقولهم، ويتبعونهم، ما لم تأت الحجة بخلافه.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"إذا لم تجد التّفسير في القرآن ولا في السّنّة، ولا وجدتّه عن الصّحابة، فقد رجع كثير من الأئمّة في ذلك إلى أقوال التّابعين …
وقال شعبة بن الحجّاج وغيره: أقوال التّابعين في الفروع ليست حجّة، فكيف تكون حجة في التفسير؟ يعنى أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة؛ فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على قول بعض، ولا على من بعدهم؛ ويُرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنّة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1 / 10 — 11).
ثالثا:
وأما ما يرويه من التفسير وغيره عمن سبقه، ففي حاله خلاف؛ لأجل ما تكلم فيه من جهة ضبطه.
لكن الملاحظ أن الخلاف فيه ليس بالشديد، فهو بين تقوية أمره وتليينه، ولم يصل إلى حد تركه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكوفي…
قال يحيى القطان: لا بأس به. وقال أحمد: ثقة. وقال ابن معين: في حديثه ضعف. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن عدي: هو عندي صدوق.… وقال الفلاس، عن ابن مهدي: ضعيف… وقال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما رأيت أحدا يذكر السدي إلا بخير، وما تركه أحد " انتهى. "ميزان الاعتدال" (1 / 233).
وقال المزي رحمه الله تعالى:
" وقال أبو طالب، عن أحمد بن حنبل: السدي ثقة.
وقال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: سألت يحيى بن معين عن السدي وإبراهيم بن مهاجر، فقال: متقاربان في الضعف.
قال: وسمعت أبي، قال: قال يحيى بن معين يوما عند عبد الرحمن بن مهدي، وذكر إبراهيم بن مهاجر والسدي، فقال يحيى: ضعيفان، فغضب عبد الرحمن وكره ما قال …
وقَال أبو زرعة: لين. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النّسائي – فيما قرأت بخطه: السدي إسماعيل بن عبد الرّحمن: صالح. وقال في موضع آخر: ليس به بأس " انتهى. "تهذيب الكمال" (3 / 134 — 137).
فهذا الخلاف: ليس فيه ما يدل على طرحه وترك مروياته، وغالبهم لم يصرح ولم يقطع بضعفه.
وما ورد من اتهامه بالكذب، كما في قول الجوزجاني:
" الكلبي محمد بن السائب كذاب ساقط.
حُدِّثتُ عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي، والكلبي " انتهى. "أحوال الرجال". وقد ساق هذه الراوية في كتابه (ص 66 — 67).
فهنا لم يصرح الجوزجاني عمن سمعه، حيث قال: حُدِّثتُ عن المعتمر بن سليمان.
لكن قد رواه العقيلي بإسناد متصل إلى المعتمر، وفيه أنه من كلامه لا من كلام أبيه، حيث قال العقيلي رحمه الله تعالى:
"إسماعيل بن عبد الرّحمن السُّدِّيّ
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: إِنَّ بِالْكُوفَةِ كَذَّابِينَ: الْكَلْبِيُّ، وَالسُّدِّيُّ " انتهى. "الضعفاء الكبير" (1 / 87).
لكن ابن أبي حاتم رواه في "الجرح والتعديل" بنفس الإسناد، وليس فيه التصريح باسم السدي، وفيه أنه من كلام سليمان ، وليس من كلام ابنه المعتمر.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى: " أخبرنا عمر بن شبة النميري البصري بسامراء، حدثني أبو بكر بن خلاد، أخبرنا معتمر، عن أبيه، قال: كان بالكوفة كذابان: أحدهما الكلبى " انتهى. "الجرح والتعديل" (7 / 270).
وقد رواه العقيلي في مكان آخر من "الضعفاء" وبإسناد آخر، ويرويه معتمر من كلام الليث بن أبي سليم.
فروى العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4 / 78)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: " بِالْكُوفَةِ كَذَّابَانِ: الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ ".
ورواه ابن حبان من نفس الطريق من غير تصريح باسم السدي، حيث روى ابن حبان في "المجروحين" (2 / 263)، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا موسى بن زكريا التستري، قال: حدثنا عمرو بن حصين، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت ليث بن أبي سليم، يقول: " بالكوفة كذابان: الكلبي وذكر آخر معه ".
وقد عقّب الحافظ ابن حجر على رواية الليث هذه بقوله رحمه الله تعالى:
"وليث أشد ضعفا من السدي" انتهى. "تهذيب التهذيب" (1 / 159).
فالظاهر: أنه أن في هذا الخبر اضطراباً، يوجب التوقف فيه، خاصة مع إعراض سائر الأئمة عن مضمونه، ومن ذلك نرى ابن عدي ينقل تهمة الكذب هذه، حيث قال رحمه الله تعالى:
" سمعت ابن حماد يقول: قال السعدي: هو كذاب، شتّام، يعني السدي " انتهى. "الكامل" (2 / 51).
ثم نرى ابن عدي يعرض عن هذه التهمة، بعد أن ذكرها، فيلخص حال السدي بقوله:
" والسدي له أحاديث يرويها عن عدة شيوخ له، وهو عندي مستقيم الحديث، صدوق، لا بأس به " انتهى. "الكامل" (2 / 52).
والحاصل؛ أنه لم يثبت كذبه في الرواية، وسائر أئمة الجرح والتعديل لم ينصوا على تركه أو طرح أحاديثه، فراو يوثقه الإمام أحمد، ويقوي أمره النسائي وغيره، وهو مع هذا له اعتناء كبير بالتفسير ومروياته وإمام فيها، فمثله لا تهدر روايته، خاصة رواياته التفسيرية، بمجرد وجوده في إسنادها، بل تقبل، ويعتبر بها في أقل أحوالها. وهذا تصرف الأئمة، كالطبري وابن أبي حاتم فقد روى له في تفسيره، وقد نص في مقدمة كتابه أنه يروي أصح ما ورد في الآية، حيث قال رحمه الله تعالى:
" فتحرّيت إخراج ذلك بأصحّ الأخبار إسنادا، وأشبهها متنا، فإذا وجدت التّفسير عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، لم أذكر معه أحدا من الصّحابة ممّن أتى بمثل ذلك، وإذا وجدته عن الصّحابة فإن كانوا متّفقِين ذكرته عن أعلاهم درجة، بأصحّ الأسانيد …
فإن لم أجد عن الصّحابة، ووجدته عن التّابعين: عملت فيما أجد عنهم، ما ذكرته من المثال في الصّحابة " انتهى. "التفسير" (1 / 14).
فالحاصل؛ أن السدي الكبير تقبل مروياته، ولا ترد بسببه؛ وإنما ترد بوجود انقطاع أو ضعف فيمن قبله أو بعده في سلسلة السند، هكذا كان تصرف الأئمة مع تفسيره.
ومن ذلك قول عبد الله ابن الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
"سمعته [أي الإمام أحمد] يقول: كان بن مهدي لا يحدث عن إسماعيل عن أبي صالح شيئا، من أجل أبي صالح " انتهى. "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (2 / 498).
وقال الخليلي رحمه الله تعالى:
" وتفسير إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ: فإنّما يسنده بأسانيد إلى عبد اللّه بن مسعود، وابن عبّاس، وروى عن السّدّيّ الأئمّة مثل: الثّوريّ، وشعبة، لكنّ التّفسير الّذي جمعه رواه عنه أسباط بن نصر، وأسباط لم يتّفقوا عليه.
غير أنّ أمثل التّفاسير: تفسير السّدّيّ" انتهى. "الإرشاد" (1 / 397 – 398).
ومن هذا الباب تكلِّم في نسخة التفسير التي يرويها عنه أسباط بن نصر، فيقول: عن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ساق بها نسخة من التفسير ولم يبيّن ويفصّل، وهذه أسانيد، منها المقبول ومنها المردود، فاختلط الصحيح بالضعيف، فتكلم الأئمة لهذا السبب في هذه النسخة. خاصة وقد وردت فيه جملة من الغرائب.
قال العقيلي رحمه الله تعالى:
" حدّثنا الخضر بن داود قال: حدّثنا أحمد بن محمّد قال: قلت لأبي عبد اللّه: السّدّيّ كيف هو؟ قال: أُخْبرك أنّ حديثه لمقارب، وإنّه لحسن الحديث إلّا أنّ هذا التّفسير الّذي يجيء به أسباط عنه فجعل يستعظمه، قلت ذاك إنّما يرجع إلى قول السّدّيّ، فقال: من أين؟ وقد جعل له أسانيد ما أدري ما ذاك " انتهى. "الضعفاء الكبير" (1 / 88).
وجاء في "اكمال تهذيب الكمال" (2 / 188):
" وفي كتاب الساجي عنه [أي عن الإمام أحمد]: أنه ليحسن الحديث، إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به، قد جعل له إسنادا واستكلفه " انتهى.
فالكلام في هذه النسخة ليس راجعا إلى الكلام في السدي ذاته، وإنما راجع إلى عدم إمكان تمييز الصحيح من مرويات هذه النسخة، بسبب اختلاط أسانيدها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد ذكر في أول تفسيره أنه أخذه عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن هو ينقله بلفظه ويخلط الروايات بعضها ببعض، وقد يكون فيها المرسل، والمسند، ولا يميز بينهما، ولهذا يقال: ذكره السدي عن أشياخه، ففيه ماهو ثابت عن بعض الصحابة: ابن مسعود وابن عبس وغيرهما، وفيه مالا يجزم به " انتهى. "تفسير آيات أشكلت" (1 / 165 – 167).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السُّدِّيّ: وهو كوفي صدوق، لكنه جمع التفسير من طرق منها: عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة وغيرهم. وخلط روايات الجميع، فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف " انتهى. "العجاب في بيان الأسباب" (1 / 211).
ولهذا وقعت غرائب ومنكرات في مرويات هذه النسخة.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"هذا الإسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة، وكأن كثيرا منها متلقى من الإسرائيليات " انتهى. "البداية والنهاية" (1 / 33).
وقد دافع الشيخ عبد الرحمن المعلمي عن السدي في هذه المسألة ورأى أن الحمل فيها على من بعد السدي، فقال رحمه الله تعالى:
" والّذي يقع لي: أنّ هذه كانت نسخة عند السُّدي، لم يكن فيها إسناد، فأخذها أسباط، وسأله عن إسنادها، فقال: "عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرَّة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ".
يريد السُّدّي أنّ في النسخة ما سمعه من أبي مالك من قوله، وفيها ما سمعه من أبي صالح عن ابن عباس، وفيها ما سمعه من مرّة عن ابن مسعود، وفيها ما بلغَ السديَّ عن بعض الصحابة…
والذي يدلّ على هذا اتفاق لفظ الإسناد في السياق في جميع المواضع، كما في "تفسير ابن جرير"، ولو كان السُّدّي هو الذي يذكر السند في أول كل أثر، لاختلف سياقه حتما؛ كما تقضي به العادة.
ثم لا أدري، أسباط؟ أم مَن بعده؟ مزج هذه النسخة ببقية تفسير السُّدّي، مما يقوله هو، أو يرويه، ممّا ليس في النسخة؛ فعمد إلى هذا السند، فأثبته في أوّل كل أثر من الآثار التي كانت في النسخة.
فقد يكون الأثر في الأصل عن أبي مالك، من قوله فقط. وقد يكون عن أبي صالح فقط. وقد يكون ممّا بلغ السُّدّيّ عن بعض الصحابة، وقد يكون مما سمعه من مُرّة عن ابن مسعود. فمن هنا جاء الضعف والنكارة فيما يروى بهذا السند …
فالسدي بريء من نكارة ذلك، وإنّما يضرّه لو جاء منكر يرويه عن مرّة عن ابن مسعود، وهذا لم يثبت، لأنّنا لا ندري أنّ تلك الآثار هي في نفس الأمر عن مرّة عن ابن مسعود " انتهى. "فرضية الجمعة وسبب تسميتها – ضمن آثار المعلمي" (16 / 330 — 332).
والله أعلم.